كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ، وَلَا فِي تَرْتِيبِهَا الْمُفْضِي إِلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ نَظَرِيًّا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّمَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ إِلَى الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَتَرْتِيبِهَا، إِنْ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْعِلْمُ بِتِلْكَ الْأُمُورِ حَاصِلًا بِالضَّرُورَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي إِبْطَالِ الْحُجَّةِ الْأُولَى.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ حَاصِلًا بِالضَّرُورَةِ فَلَا.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْعِلْمَ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ لَا يَنْتَفِي بِالشُّبْهَةِ. وَهَذِهِ هِيَ أَمَارَةُ الضَّرُورَةِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمَنْفِيُّ بِالشُّبْهَةِ: الْعِلْمُ النَّظَرِيُّ الَّذِي مُقَدِّمَاتُهُ نَظَرِيَّةٌ أَوِ الَّذِي مُقَدِّمَاتُهُ ضَرُورِيَّةٌ الْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَظَرِيًّا، لَأَمْكَنَ الْإِضْرَابُ عَنْهُ، كَمَا فِي سَائِرِ النَّظَرِيَّاتِ، وَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ، دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ ضَرُورِيًّا.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الَّذِي يُمْكِنُ الْإِضْرَابُ عَنْهُ مِنَ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ الْعِلْمُ الْمُفْتَقِرُ إِلَى الْمُقَدِّمَاتِ النَّظَرِيَّةِ.
وَأَمَّا مَا لَزِمَهُ (١) مِنْ مُقَدِّمَاتِ حَاصِلَةٍ بِالضَّرُورَةِ؛ فَلَا.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَظَرِيًّا، لَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، وَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ إِلَّا مِنْ مُعَانِدٍ كَمَا سَبَقَ كَانَ ضَرُورِيًّا كَالْعِلْمِ بِالْمُحَسَّاتِ وَنَحْوِهِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تَسْوِيغُ الْخِلَافِ عَقْلًا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ الَّتِي مُقَدِّمَاتُهَا نَظَرِيَّةٌ.
وَأَمَّا مُقَدِّمَاتُهَا ضَرُورِيَّةٌ؛ فَلَا، كَمَا فِي الْمُحَسَّاتِ.
وَأَمَّا حُجَجُ الْقَائِلِينَ بِالنَّظَرِ؛ فَأَوَّلُهَا وَهِيَ مَا اسْتَدَلَّ بِهَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ أَنْ قَالَ: الِاسْتِدْلَالُ تَرْتِيبُ عُلُومٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى عِلْمٍ آخَرَ، فَكُلَّمَا وَقَفَ وُجُودَهُ عَلَى تَرْتِيبٍ فَهُوَ نَظَرِيٌّ، وَالْعِلْمُ الْوَاقِعُ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ كَذَلِكَ فَكَانَ نَظَرِيًّا، وَذَلِكَ لِأَنَّا إِنَّمَا نَعْلَمُ ذَلِكَ، إِذَا عَلِمْنَا أَنَّ الْمُخْبِرَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ رَأْيِهِ، بَلْ عَنْ أَمْرٍ مَحْسُوسٍ، لَا لَبْسَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا دَاعِيَ لَهُ إِلَى الْكَذِبِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَذِبًا.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذِبًا تَعَيَّنَ كَوْنُهُ صِدْقًا.
وَمَهْمَا اخْتَلَّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ نَعْلَمْ صِحَّةَ الْخَبَرِ، وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ نَظَرِيًّا سِوَى ذَلِكَ.
---------------
(١) مَا لَزِمَهُ، وَالصَّوَابُ مَا لَزِمَ.

الصفحة 20