كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)
[الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ الْمُقْتَضَى وَهُوَ مَا أُضْمِرَ ضَرُورَةَ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ لَا عُمُومَ لَهُ]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ
الْمُقْتَضَى وَهُوَ مَا أُضْمِرَ ضَرُورَةَ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ لَا عُمُومَ لَهُ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» " فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ رَفْعِ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ، وَيَتَعَذَّرُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الْكَذِبِ فِي كَلَامِ الرَّسُولِ، ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ حُكْمٍ يُمْكِنُ نَفْيُهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَوِ الْأُخْرَوِيَّةِ، ضَرُورَةَ صِدْقِهِ فِي كَلَامِهِ.
وَإِذَا كَانَتْ أَحْكَامُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ مُتَعَدِّدَةً فَيَمْتَنِعُ إِضْمَارُ الْجَمِيعِ إِذِ الْإِضْمَارُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ بِإِضْمَارِ الْبَعْضِ، فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ ضَرُورَةَ تَقْلِيلِ مُخَالِفَةِ الْأَصْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الرَّفْعِ دَالًّا عَلَى رَفْعِ جَمِيعِ أَحْكَامِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» " يَدُلُّ عَلَى رَفْعِهِمَا مُسْتَلْزِمًا لِرَفْعِ أَحْكَامِهَا (١) .
فَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ فِي نَفْيِ الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ فِي نَفْيِ الْأَحْكَامِ.
سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهَا وَضْعًا، وَلَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ؟ وَلِهَذَا يُقَالُ: لَيْسَ لِلْبَلَدِ سُلْطَانٌ، وَلَيْسَ لَهُ نَاظِرٌ وَلَا مُدَبِّرٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الصِّفَاتِ.
سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ غَيْرَ أَنَّ اللَّفْظَ دَالٌّ عَلَى رَفْعِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ.
فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ وَجَبَ إِضْمَارُ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجْعَلُ وُجُودَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ كَعَدَمِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقَالَ بِإِضْمَارِ الْكُلِّ أَوِ الْبَعْضِ أَوْ لَا بِإِضْمَارِ شَيْءٍ أَصْلًا.
وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِضْمَارِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَلَيْسَ إِضْمَارُ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ، ضَرُورَةَ تَسَاوِي نِسْبَةِ اللَّفْظِ إِلَى الْكُلِّ، فَلَمْ يَبْقَ سِوَى إِضْمَارِ الْجَمِيعِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ اللَّفْظَ إِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَحْكَامِ بِوَاسِطَةِ نَفْيِ حَقِيقَةِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ مُنْتَفِيًا (٢) فَلَا يَكُونُ مُسْتَلْزِمًا لِنَفْيِ الْأَحْكَامِ.
---------------
(١) أَحْكَامِهَا - الصَّوَابُ أَحْكَامِهِمَا
(٢) مُنْتَفِيًا - فِيهِ تَحْرِيفٌ، وَالصَّوَابُ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ مَنْفِيًّا
الصفحة 249