كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْأَصْلَ إِنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَعَدَمُ الْعُرْفِ الطَّارِئِ، فَمَنِ ادَّعَاهُ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ.
وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الِاسْتِشْهَادِ بِالصُّوَرِ فَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ حَمْلِهَا عَلَى جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ السُّلْطَانُ مَوْجُودًا وَلَا عَالِمًا وَلَا قَادِرًا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ، وَهُوَ مُحَالٌ.
وَعَنِ الثَّالِثِ قَوْلُهُمْ: إِضْمَارُ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى الْمَقْصُودِ مِنْ نَفْيِ الْحَقِيقَةِ.
قُلْنَا: إِلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْثِيرُ مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِلْأَحْكَامِ، وَهُوَ وُجُودُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ.
قَوْلُهُمْ: لَيْسَ إِضْمَارُ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ قُلْنَا بِإِضْمَارِ حُكْمٍ مُعَيَّنٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ بِإِضْمَارِ حُكْمٍ مَا، وَالتَّعْيِينُ إِلَى الشَّارِعِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْإِجْمَالُ فِي مُرَادِ الشَّارِعِ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
قُلْنَا: لَوْ قِيلَ بِإِضْمَارِ الْكُلِّ لَزَمَ مِنْهُ زِيَادَةُ الْإِضْمَارِ، وَتَكْثِيرُ مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ كَمَا سَبَقَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأُصُولِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ رَاجِحَةً عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، أَوْ مُسَاوِيَةً لَهُ أَوْ مَرْجُوحَةً.
فَإِنْ كَانَتْ رَاجِحَةً لَزِمَ الْعَمَلُ بِهَا.
وَإِنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً فَهُوَ كَافٍ لَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي نَفْيِ زِيَادَةِ الْإِضْمَارِ، وَهُمَا تَقْدِيرَانِ، وَمَا ذَكَرُوهُ إِنَّمَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ رَاجِحًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا يَتِمُّ التَّمَسُّكُ بِهِ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ أَرْجَحُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ بِهِ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ.

الصفحة 250