كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)
وَتَخْصِيصُهُ لِخُزَيْمَةَ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَتَخْصِيصُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ.
وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى الْأُمَّةِ لَمَا احْتَاجَ إِلَى التَّنْصِيصِ بِالتَّخْصِيصِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ وَعَنْ قَوْلِهِ: " «بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَإِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» " أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى النَّاسِ كَافَّةً فَبِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَرِّفُ كُلَّ وَاحِدٍ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ كَأَحْكَامِ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ وَالْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْحَائِضِ وَالطَّاهِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاكُ الْكُلِّ فِيمَا أَثْبَتَ لِلْبَعْضِ مِنْهُمْ (١) .
وَعَنْ قَوْلِهِ: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» " أَنَّهُ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالْقِيَاسِ لَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ (٢) لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْخِطَابُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ لَيْسَ هُوَ بِعَيْنِهِ خِطَابًا لِلْبَاقِينَ (٣) .
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِعَيْنِهِ خِطَابًا لِلْبَاقِينَ لَزِمَ مِنْهُ التَّخْصِيصُ بِإِخْرَاجِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِذَلِكَ الْوَاحِدِ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ.
---------------
(١) النُّصُوصُ تَعُمُّ تَعْرِيفَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ فَرْدٍ بِعَيْنِهِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ كَمَا فِي قِصَّةِ خُزَيْمَةَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَقِصَّةِ أَبِي بُرْدَةَ فِي إِجْزَاءِ الْعَنَاقِ عَنْهُ فِي الْأُضْحِيَةِ، وَتَعْرِيفُهُ كُلَّ نَوْعٍ مِنَ الْأُمَّةِ مَا يَخُصُّهُ مِنَ الْأَحْكَامِ كَأَحْكَامِ الْمَرْضَى وَالْأَصِحَّاءِ إِلَى أَمْثَالِ مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، فَيَعُمُّ حُكْمُهُ فِي النَّوْعِ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادٍ ذَلِكَ النَّوْعِ، وَتَعْرِيفُهُ مَا يَعُمُّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ خُصُوصِ الْفَرْدِ أَوِ النَّوْعِ وَجَبَ حَمْلُ تَعْرِيفِهِ عَلَى الْعُمُومِ لِأَدِلَّةِ عُمُومِ الرِّسَالَةِ وَالتَّشْرِيعِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ وَغَيْرِهَا
(٢) تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى الْقِيَاسِ لِلْأَدِلَّةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عُمُومُ التَّشْرِيعِ حَتَّى يَثْبُتَ تَخْصِيصُ الْحُكْمِ بِفَرْدٍ أَوْ نَوْعٍ مِنَ الْأُمَّةِ
(٣) أَقُولُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خِطَابُ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ خِطَابًا لِلْبَاقِينَ فِي أَصْلِ وَضْعِ اللُّغَةِ، لَكِنْ أُرِيدَ شُمُولُهُ الْبَاقِينَ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَدِلَّةِ، وَقَدْ كَثُرَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إِطْلَاقُ الْخَاصِّ وَإِرَادَةُ الْعَامِّ، وَبِذَلِكَ يُلْتَزَمُ جَوَازُ التَّخْصِيصِ بِإِخْرَاجِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِذَلِكَ الْوَاحِدِ فِي مُوجِبِ الْحُكْمِ، انْظُرِ الرِّسَالَةَ لِلشَّافِعِيِّ.
الصفحة 264