كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ خِطَابُهُ الْمُطْلَقُ لِلْوَاحِدِ خِطَابًا لِلْجَمَاعَةِ لَمَا احْتَاجَ إِلَى قَوْلِهِ: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» " أَوْ كَانَتْ فَائِدَتُهُ التَّأْكِيدَ، وَالْأَصْلُ فِي الدَّلَالَاتِ اللَّفْظِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ التَّأْسِيسُ.
ثُمَّ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمًا عَلَى الْجَمَاعَةِ فَلَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهُ فِي حُكْمِهِ لِلْوَاحِدِ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِلْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهِ لِلْوَاحِدِ وَحُكْمِهِ عَلَيْهِ وَالْخِلَافُ وَاقِعٌ فِي الْكُلِّ (١) .
وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ رُجُوعِ الصَّحَابَةِ فِي أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ إِلَى حُكْمِهِ عَلَى الْآحَادِ فَلَا يَخْلُو، إِمَّا أَنْ يُقَالَ: بِذَلِكَ مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِالتَّسَاوِي فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ، أَوْ لَا مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِذَلِكَ، الثَّانِي خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَمُسْتَنَدُ التَّشْرِيكِ فِي الْحُكْمِ إِنَّمَا كَانَ الِاشْتِرَاكَ فِي السَّبَبِ لَا فِي الْخِطَابِ (٢) .
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ لَا يَدْخُلُ فِي الْجَمْعِ الْخَاصِّ بِالْآخَرِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ
اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ لَا يَدْخُلُ فِي الْجَمْعِ الْخَاصِّ بِالْآخَرِ كَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَعَلَى دُخُولِهِمَا فِي الْجَمْعِ الَّذِي لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ عَلَامَةُ تَذْكِيرٍ وَلَا تَأْنِيثٍ كَالنَّاسِ.
وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْجَمْعِ الَّذِي ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَامَةُ التَّذْكِيرِ كَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ: هَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي دُخُولِ الْإِنَاثِ فِيهِ أَوْ لَا؟ فَذَهَبَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْأَشَاعِرَةُ وَالْجَمْعُ الْكَثِيرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ إِلَى نَفْيِهِ.
وَذَهَبَتِ الْحَنَابِلَةُ وَابْنُ دَاوُدَ (٣) وَشُذُوذٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى إِثْبَاتِهِ.
---------------
(١) لَا مَانِعَ مِنْ تَتَابُعِ الْأَدِلَّةِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الِاطِّرَادِ فَإِنَّمَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْمَنَاطِ فَاخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي تَطْبِيقِهِ عَلَى الْأَفْرَادِ تَبَعًا لِاخْتِلَافِ الْمَنَاطِ فِيهَا
(٢) نَخْتَارُ الْأَوَّلَ وَنَقُولُ: مُسْتَنَدُ التَّشْرِيكِ فِي الْحُكْمِ الِاشْتِرَاكُ فِي السَّبَبِ، وَأَدِلَّةُ عُمُومِ الشَّرِيعَةِ لِلْأُمَّةِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ إِرَادَةَ الْعُمُومِ مِنَ الْخِطَابِ الْخَاصِّ
(٣) ابْنُ دَاوُدَ: هُوَ مُوسَى بْنُ دَاوُدَ الضَّبِّيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُلْقَانِيُّ مَاتَ ٢١٧، انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي الْمِيزَانِ لِلذَّهَبِيِّ وَفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ لِابْنِ حَجَرٍ

الصفحة 265