كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

احْتَجَّ النَّافُونَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} عَطَفَ جَمْعَ التَّأْنِيثِ عَلَى جَمْعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ لَمَا حَسُنَ عَطْفُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ مَا نَرَى اللَّهَ ذَكَرَ إِلَّا الرِّجَالَ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الْآيَةَ (١) .
وَلَوْ كُنَّ قَدْ دَخَلْنَ فِي جَمْعِ التَّذْكِيرِ، لَكُنَّ مَذْكُورَاتٍ وَامْتَنَعَتْ صِحَّةُ السُّؤَالِ وَالتَّقْرِيرِ عَلَيْهِ.
وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ " فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هَذَا لِلرِّجَالِ فَمَا لِلنِّسَاءِ؟» (٢) وَلَوْلَا خُرُوجُهُنَّ مِنْ جَمْعِ الذُّكُورِ لَمَا صَحَّ السُّؤَالُ وَلَا التَّقْرِيرُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ تَضْعِيفُ الْوَاحِدِ، فَقَوْلُنَا: قَامَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُؤَنَّثَ بِالْإِجْمَاعِ، فَالْجَمْعُ الَّذِي هُوَ تَضْعِيفُهُ كَقَوْلِنَا: قَامُوا لَا يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: أَمَّا الْآيَةُ فَالْعَطْفُ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْإِنَاثِ فِي جَمْعِ التَّذْكِيرِ.
قَوْلُكُمْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ إِذِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ يَخُصُّهُنَّ تَأْكِيدًا فَلَا يَكُونُ عُرْيًا عَنِ الْفَائِدَةِ.
وَأَمَّا سُؤَالُ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ فَلَمْ يَكُنْ لِعَدَمِ دُخُولِ النِّسَاءِ فِي جَمْعِ الذُّكُورِ، بَلْ لِعَدَمِ تَخْصِيصِهِنَّ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فِيهِنَّ كَمَا وَرَدَ فِي الْمُذَكَّرِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ الْجَمْعَ تَضْعِيفُ الْوَاحِدِ فَمُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ بِامْتِنَاعِ دُخُولِ الْمُؤَنَّثِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ؟ .
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ الْمُؤَنَّثِ فِي جَمْعِ التَّذْكِيرِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:
---------------
(١) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ سَلَمَةَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، كَمَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهَا، فَانْظُرْ تِلْكَ الْمَرَاجِعَ لِتَقِفَ عَلَى نُصُوصِ الرِّوَايَاتِ وَتَعْرِفَ دَرَجَتَهَا وَمَا بَيْنَهَا مِنِ اخْتِلَافٍ.
(٢) الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ مِنْ تَلْخِيصِ الْحَبِيرِ، وَنَسَبَهُ إِلَى الدَّارَقُطْنِيِّ وَذَكَرَ عَنْهُ وَعَنِ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَعَّفَهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ.

الصفحة 266