كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ (الدَّرَاهِمِ) مِنَ (الدَّنَانِيرِ) وَبِالْعَكْسِ، فَهُوَ أَيْضًا مَحَلُّ النِّزَاعِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَإِنْ تَكَلَّفَ بَيَانَ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي النَّقْدِيَّةِ وَجَوْهَرِيَّةِ الثَّمَنِيَّةِ فَآيِلٌ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْجِنْسِ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ امْتِنَاعِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
اتَّفَقُوا عَلَى امْتِنَاعِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إِلَّا عَشْرَةً (١) ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ وَالْأَكْثَرِ، فَذَهَبَ أَصْحَابُنَا وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ حَتَّى إِنَّهُ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إِلَّا تِسْعَةً لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى دِرْهَمٍ وَاحِدٍ.
وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي آخِرِ أَقْوَالِهِ، وَالْحَنَابِلَةُ وَابْنُ دَرَسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَزَادَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَالْحَنَابِلَةُ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ مِنِ اسْتِثْنَاءِ الْمُسَاوِي.
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ اسْتِقْبَاحُ اسْتِثْنَاءِ عَقْدٍ صَحِيحٍ، فَلَا يَقُولُ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إِلَّا عَشْرَةً، بَلْ خَمْسَةً إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ وَالْمُسَاوِي بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَالْحُكْمِ.
أَمَّا الْمَنْقُولُ فَمِنْ جِهَةِ الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ.
أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} ، وَقَالَ {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ - إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} ، فَإِنِ اسْتَوَوْا فَقَدِ اسْتَثْنَى الْمُسَاوِيَ، وَإِنْ تَفَاوَتُوا فَأَيُّهُمَا كَانَ أَكْثَرَ فَقَدِ اسْتَثْنَاهُ.
كَيْفَ وَإِنَّ الْغَاوِينَ أَكْثَرُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} ، وَ (لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) ، وَ (لَا يُؤْمِنُونَ) .
وَأَمَّا الشِّعْرُ فَقَوْلُهُ:
أَدَّوُا الَّتِي نَقَصَتْ تِسْعِينَ مِنْ مِائَةٍ ... ثُمَّ ابْعَثُوا حَكَمًا بِالْحَقِّ قَوَّالَا
---------------
(١) ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ عَنِ ابْنِ طَلْحَةَ الْمَالِكِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمَدْخَلِ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا لَمْ تُطَلَّقْ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ.

الصفحة 297