كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ خِلَافًا لِبَعْضِ الطَّوَائِفِ، وَدَلِيلُهُ الْمَنْقُولُ وَالْمَعْقُولُ.
أَمَّا الْمَنْقُولُ: فَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَرَدَ مُخَصِّصًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} ، وَقَوْلَهُ - تَعَالَى -: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وَرَدَ مُخَصِّصًا لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} ، وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَهُوَ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ نَصَّانِ مِنَ الْكِتَابِ أَحَدُهُمَا عَامٌّ وَالْآخَرُ خَاصٌّ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فَإِمَّا أَنْ يُعْمَلَ بِالْعَامِّ أَوِ الْخَاصِّ، فَإِنْ عُمِلَ بِالْعَامِّ لَزِمَ مِنْهُ إِبْطَالُ الدَّلِيلِ الْخَاصِّ مُطْلَقًا، وَلَوْ عُمِلَ بِالْخَاصِّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إِبْطَالُ الْعَامِّ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ فِيمَا خَرَجَ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ فَكَانَ الْعَمَلُ بِالْخَاصِّ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْخَاصَّ أَقْوَى فِي دَلَالَتِهِ وَأَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ لِبُعْدِهِ عَنِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْعَامِّ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْعَمَلِ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ الْخَاصُّ الْمَعْمُولُ بِهِ نَاسِخًا لِحُكْمِ الْعَامِّ فِي الصُّورَةِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ أَوْ مُخَصِّصًا لَهُ، وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ، أَنَّ النَّسْخَ يَسْتَدْعِي ثُبُوتَ أَصْلِ الْحُكْمِ فِي الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ وَرَفْعَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَالتَّخْصِيصُ لَيْسَ فِيهِ سِوَى دَلَالَتِهِ عَلَى عَدَمِ إِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ لِلصُّوَرِ الْمَفْرُوضَةِ بِلَفْظِ الْعَامِّ، فَكَانَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ النَّسَخُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّخْصِيصُ فَكَانَ التَّخْصِيصُ أَوْلَى.
الثَّانِي: أَنَّ النَّسْخَ رُفِعَ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ، وَالتَّخْصِيصُ مَنَعَ مِنَ الْإِثْبَاتِ، وَالدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنَ الرَّفْعِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ وُقُوعَ التَّخْصِيصِ فِي الشَّرْعِ أَغْلَبُ مِنَ النَّسْخِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى التَّخْصِيصِ أَوْلَى إِدْرَاجًا لَهُ تَحْتَ الْأَغْلَبِ، وَسَوَاءٌ جُهِلَ التَّارِيخُ أَوْ عُلِمَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَاصُّ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا.

الصفحة 318