كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَذَّبَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ فِيمَا رَوَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً، لِمَا كَانَ ذَلِكَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} وَقَالَ: كَيْفَ نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ» ؟ (١)
وَإِنْ سَلَّمْنَا الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ كَانَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِ بِمُجَرَّدِهِ مُخَصِّصٌ، بَلْ رُبَّمَا قَامَتِ الْحُجَّةُ عِنْدَهُمْ عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّةِ قَوْلِهِ بِقَرَائِنَ وَأَدِلَّةٍ اقْتَرَنَتْ بِقَوْلِهِ فَلَا يَكُونُ مُجَرَّدُ إِخْبَارِهِ حُجَّةً.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْمَعْقُولِ، فَنَقُولُ: خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ نَصًّا فِي مَدْلُولِهِ نَظَرًا إِلَى مَتْنِهِ غَيْرَ أَنَّ سَنَدَهُ مَظْنُونٌ مُحْتَمِلٌ لِلْكَذِبِ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ الْمُتَوَاتِرِ، فَإِنَّهُ قَطْعِيُّ السَّنَدِ وَقَطْعِيٌّ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْآحَادِ الدَّاخِلَةِ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَا يَكُونُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَاقِعًا فِي مُعَارَضَتِهِ كَمَا فِي النَّسْخِ.
وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعُمُومَ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى آحَادِهِ، لَكِنْ مَتَى إِذَا خُصَّ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ عَلَى مَا قَالَهُ عِيسَى بْنُ أَبَانٍ أَوْ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ أَوْ قَبْلَ التَّخْصِيصِ؟ الْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ لِكَوْنِهِ صَارَ مَجَازًا ظَنِّيًّا، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ لِبَقَائِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَيَمْتَنِعُ التَّخْصِيصُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا لِتَرْجِيحِ الْعَامِّ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ، بِكَوْنِهِ قَاطِعًا فِي مَتْنِهِ وَسَنَدِهِ.
---------------
(١) انْظُرِ التَّعْلِيقَ ص ٧٩ ج٢

الصفحة 325