كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِفِعْلِ الرَّسُولِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ
فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِفِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِكَوْنِ فِعْلِ الرَّسُولِ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ، هَلْ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ لِلْعُمُومِ أَمْ لَا؟ فَأَثْبَتَهُ الْأَكْثَرُونَ كَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَنَفَاهُ الْأَقَلُّونَ كَالْكَرْخِيِّ.
وَتَحْقِيقُ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَهُوَ أَنْ نَقُولَ: الْعَامُّ الْوَارِدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَامًّا لِلْأُمَّةِ وَالرَّسُولِ كَمَا لَوْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْوِصَالُ أَوِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ كَشْفِ الْفَخِذِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَامًّا لِلْأُمَّةِ دُونَ الرَّسُولِ كَمَا لَوْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْوِصَالِ أَوِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ كَشْفِ الْفَخِذِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِذَا رَأَيْنَاهُ قَدْ وَاصَلَ أَوِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ كَشَفَ فَخِذَهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ، وَيَكُونُ مُخْرِجًا لَهُ عَنِ الْعُمُومِ وَمُخَصِّصًا.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ فَإِمَّا أَنْ نَقُولَ بِأَنَّ اتِّبَاعَهُ فِي فِعْلِهِ وَالتَّأَسِّيَ بِهِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُ، أَوْ لَا نَقُولُ ذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ رَفْعُ حُكْمِ الْعُمُومِ مُطْلَقًا فِي حَقِّهِ بِفِعْلِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ بِوُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَخْصِيصًا، بَلْ نَسْخًا لِحُكْمِ الْعُمُومِ مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ.
وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي، كَانَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لَهُ عَنِ الْعُمُومِ دُونَ أُمَّتِهِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ عَامًّا لِلْأُمَّةِ دُونَ الرَّسُولِ، فَفِعْلُهُ لَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِنَفْسِهِ عَنِ الْعُمُومِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهِ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُمَّةِ، فَإِنْ قِيلَ أَيْضًا بِوُجُوبِ اتِّبَاعِ الْأُمَّةِ لَهُ فِي فِعْلِهِ، كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا نَسْخًا عَنْهُمْ لَا تَخْصِيصًا كَمَا سَبَقَ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ أَصْلًا، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ، وَلَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُمَّةِ.
وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَلَا أَرَى لِلْخِلَافِ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ (١) بِفِعْلِ النَّبِيِّ وَجْهًا.
---------------
(١) لِلْخِلَافِ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ فِيهِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ لِلْخِلَافِ فِي التَّخْصِيصِ

الصفحة 329