كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

أَمَّا إِذَا كَانَ هُوَ الْمُخَصَّصُ عَنِ الْعُمُومِ وَحْدَهُ فَلِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي بَاقِي الْأَقْسَامِ فَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّخْصِيصِ.
بَلْ إِنْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي بَاقِي الْأَقْسَامِ، هَلْ فِعْلُهُ يَكُونُ نَاسِخًا لِحُكْمِ الْعُمُومِ فِيهَا؟ فَخَارِجٌ عَنِ الْخَوْضِ فِي بَابِ التَّخْصِيصِ، وَالْأَظْهَرُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الْوَقْفُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ دَلِيلَ وُجُوبِ التَّأَسِّي، وَاتِّبَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا هُوَ بِدَلِيلٍ عَامٍّ لِلْأُمَّةِ، وَهُوَ مُسَاوٍ لِلْعُمُومِ الْآخَرِ فِي عُمُومِهِ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا وَإِبْطَالُ الْآخَرِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ. (١)
فَإِنْ قِيلَ: بَلِ الْعَمَلُ بِالْفِعْلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ قُلْنَا: الْفِعْلُ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى لُزُومِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ بَاقِي الْأُمَّةِ بِنَفْسِهِ، بَلْ لِأَدِلَّةٍ عَامَّةٍ مُوجِبَةٍ عَلَى الْأُمَّةِ لُزُومَ الِاتِّبَاعِ.
---------------
(١) تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا أَنَّ الْخِطَابَ التَّشْرِيعِيَّ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُمُّ أُمَّتَهُ إِلَّا لِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الْمُخْتَارَ دُخُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمُومِ الْخِطَابِ بِمِثْلِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ، وَدُخُولُهُ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ لِأُمَّتِهِ، وَقَدْ دَلَّ إِرْسَالُهُ مُشَرِّعًا لِلْأُمَّةِ الْحَثَّ عَلَى اتِّبَاعِهِ وَالِاتِّسَاءَ بِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ التَّشْرِيعِيَّةِ شَرْعٌ لَنَا إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَأَدِلَّةُ الشَّرْعِ لَا تَتَنَاقَضُ فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، إِمَّا بِحَمْلِ فِعْلِهِ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ بِدَلِيلٍ كَمَا فِي وِصَالِهِ فِي الصَّوْمِ مَعَ نَهْيِ أُمَّتِهِ عَنْهُ، وَإِمَّا بِصَرْفِ الْأَمْرِ عَنِ الْوُجُوبِ إِلَى النَّدْبِ كَمَا فِي الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ مَعَ تَرْكِهِ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ لَمْ نَقُلْ بِالنَّسْخِ، وَصَرْفِ النَّهْيِ عَنِ التَّحْرِيمِ إِلَى التَّنْزِيهِ كَمَا فِي شُرْبِهِ قَائِمًا، وَبَوْلِهِ قَائِمًا مَعَ نَهْيِهِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِمَّا بِالْحَمْلِ عَلَى حَالَةٍ طَارِئَةٍ اقْتَضَتْ وُقُوعَ الْفِعْلِ عَلَى خِلَافِ الْعَامِّ دَفْعًا لِلْحَرَجِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُمَثَّلَ لِذَلِكَ بِالْأَخِيرَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ وَجَبَ نَسْخُ الْمُتَقَدِّمِ بِالْمُتَأَخِّرِ إِنْ عُرِفَ التَّارِيخُ وَإِلَّا وَجَبَ التَّرْجِيحُ إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا التَّخْيِيرُ أَوِ الْوَقْفُ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي فِعْلِهِ تَارِيخُ حُصُولِهِ مِنْهُ لَا تَارِيخُ أَدِلَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، فَإِنَّهَا مُشْتَرِكَةٌ بَيْنَ النُّصُوصِ وَالْأَفْعَالِ وَلَا نَسْخَ فِيهَا وَلَا تَعَارُضَ بَيْنِهَا، فَلْيُرْجَعْ إِلَى تَارِيخِ جُزْئِيَّاتِ النُّصُوصِ وَالْأَفْعَالِ الْمُتَعَارِضَةِ.

الصفحة 330