كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

[الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ إِذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الْعُمُومِ لَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ]
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ، وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ إِذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الْعُمُومِ، وَسَوَاءٌ كَانَ هُوَ الرَّاوِي أَوْ لَمْ يَكُنْ لَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ، خِلَافًا لِأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةِ وَعِيسَى بْنِ أَبَانٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ.
وَدَلِيلُهُ أَنَّ ظَاهِرَ الْعُمُومِ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ، وَمَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ (١) ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْعُمُومِ بِهِ، فَإِنْ قِيلَ: إِذَا خَالَفَ مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ الْعُمُومَ فَلَا يَخْلُو، إِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِدَلِيلٍ، لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ لَا لِدَلِيلٍ، وَإِلَّا وَجَبَ تَفْسِيقُهُ وَالْحُكْمُ بِخُرُوجِهِ عَنِ الْعَدَالَةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِدَلِيلٍ وَجَبَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، إِذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْطِيلِ أَحَدِهِمَا كَمَا عُلِمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
قُلْنَا: مُخَالَفَةُ الصَّحَابِيِّ لِلْعُمُومِ إِنَّمَا كَانَتْ لِدَلِيلٍ عَنَّ لَهُ فِي نَظَرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُخْطِئًا فِيهِ أَوْ مُصِيبًا.
فَلِذَلِكَ لَمْ نَقْضِ بِتَفْسِيقِهِ لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا بِاتِّبَاعِ اجْتِهَادِهِ وَمَا أَوْجَبَهُ ظَنُّهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مَا عَنَّ لَهُ فِي نَظَرِهِ حُجَّةً مُتَّبَعَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ، بِدَلِيلِ جَوَازِ مُخَالَفَةِ صَحَابِيٍّ آخَرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيقٍ وَلَا تَبْدِيعٍ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا صَارَ إِلَيْهِ حُجَّةً وَاجِبَةَ الِاتِّبَاعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْغَيْرِ فَلَا يَكُونُ الْعُمُومُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ مُطْلَقًا.
---------------
(١) سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.

الصفحة 333