كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَهُوَ أَنَّ الْعُمُومَ ظَاهِرٌ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ آحَادِ الصُّوَرِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَهُ، وَجِهَةُ ضَعْفِهِ غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنِ احْتِمَالِ تَخْصِيصِهِ أَوْ كَذِبِ الرَّاوِي إِنْ كَانَ الْعَامُّ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ.
وَأَمَّا احْتِمَالَاتُ ضَعْفِ الْقِيَاسِ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِمَحَلِ الْمُعَارَضَةِ بِخُصُوصِهِ إِلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الْكَذِبُ.
وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ إِثْبَاتِهِ قَطْعِيًّا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَنْبِطُ الْقِيَاسَ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ.
وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ الْحُكْمُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ ظَاهِرَةٍ.
وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ ظَاهِرَةٍ فَلَعَلَّهَا غَيْرُ مَا ظَنَّهُ الْقَائِسُ عِلَّةً وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي طَرِيقِ إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ فَأَثْبَتَهَا بِمَا لَا يَصْلُحُ لِلْإِثْبَاتِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً فِيهِ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وُجِدَ فِي الْفَرْعِ مَانِعُ السَّبَبِ أَوْ مَانِعُ الْحُكْمِ، أَوْ فَاتَ شَرْطُ السَّبَبِ فِيهِ أَوْ شَرْطُ الْحُكْمِ، فَكَانَ الْعُمُومُ لِذَلِكَ رَاجِحًا.
كَيْفَ وَإِنَّ الْعُمُومَ مِنْ جِنْسِ النُّصُوصِ، وَالنَّصُ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ فِي الْعَمَلِ بِهِ فِي جِنْسِهِ إِلَى الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ مُتَوَقِّفٌ فِي الْعَمَلِ بِهِ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ حُجَّةً بِالنَّصِّ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ بِالْإِجْمَاعِ فَالْإِجْمَاعُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النَّصِّ، فَكَانَ الْقِيَاسُ مُتَوَقِّفًا عَلَى النَّصِّ لِذَلِكَ رَاجِحًا.
وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْقِيَاسُ مُؤَخَّرًا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي الْعَمَلِ بِهِ عَنِ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَيْثُ «قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا: " بِمَ تَحْكُمُ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا تَتَقَدَّمَ السُّنَّةُ عَلَى الْكِتَابِ، غَيْرَ أَنَّا خَالَفْنَاهُ فِي تَقْدِيمِ خَاصِّ السُّنَّةِ عَلَى عَامِّ الْكِتَابِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فِيمَا عَدَاهُ.

الصفحة 338