كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)

وَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ كُلُّهَا إِنْ لَمْ تُوجِبِ التَّرْجِيحَ فَلَا أَقَلَّ مِنَ الْمُسَاوَاةِ.
وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَيَمْتَنِعُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ. (١)
فَإِنْ قِيلَ: الْقَوْلُ بِالْوَقْفِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ قَبْلَ وُجُودِ الْوَاقِفِيَّةِ، إِذِ الْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي التَّعْيِينِ، وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْوَقْفِ مِمَّا يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الدَّلِيلَيْنِ عَنِ الْعَمَلِ بِهِمَا، وَالْمَحْذُورُ فِيهِ فَوْقَ الْمَحْذُورِ فِي الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا، فَالْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ أَوْلَى؛ لِأَنَّا لَوْ عَمِلْنَا بِالْعُمُومِ لَزِمَ مِنْهُ إِبْطَالُ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ مُطْلَقًا.
وَلَوْ عَمِلْنَا بِالْقِيَاسِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إِبْطَالُ الْعُمُومِ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ فِيمَا عَدَا صُورَةِ التَّخْصِيصِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا وَتَعْطِيلِ الْآخَرِ.
قُلْنَا: نَحْنُ لَا نَقُولُ بِالْوَقْفِ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ تَرْجِيحِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ، وَبِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ لَا نُسَلِّمُ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى إِبْطَالِ الْوَقْفِ، إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
وَلِهَذَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يَقْطَعُ بِإِبْطَالِ مَذْهَبِ مُخَالِفِهِ مَعَ مَصِيرِهِ إِلَى نَفْيِ مَا أَثْبَتَهُ أَوْ إِثْبَاتِ مَا نَفَاهُ فَلِأَنْ لَا يَكُونَ قَاطِعًا بِإِبْطَالِهِ عِنْدَ تَوَقُّفِهِ فِي نَفْيِ مَا أَثْبَتَهُ أَوْ إِثْبَاتِ مَا نَفَاهُ أَوْلَى.
قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلْعَمَلِ بِالْعُمُومِ، قُلْنَا فِي مَحَلِّ الْمُعَارَضَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا: الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَالنِّزَاعُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي التَّرْجِيحِ فِي مَحَلِّ الْمُعَارَضَةِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْحُكْمُ بِالْوَقْفِ أَوِ التَّرْجِيحِ عَلَى حَسَبِ مَا يَظْهَرُ فِي نَظَرِهِ فِي آحَادِ الْوَقَائِعِ مِنَ الْقَرَائِنِ وَالتَّرْجِيحَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّفَاوُتِ أَوِ التَّسَاوِي مِنْ غَيْرِ تَخْطِئَةٍ، إِذِ الْأَدِلَّةُ فِيهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا ظَنِّيَّةٌ، غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ، فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ دُونَ الْقَطْعِيَّةِ خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ. (٢)
---------------
(١) انْظُرِ الْمَسْأَلَةَ التَّاسِعَةَ مِنْ مَسَائِلِ مَا اخْتُلِفَ فِي رَدِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِهِ ص ١١٨ ج ٢.
(٢) انْظُرِ التَّعْلِيقَ ص ٣١٢ ج٢.

الصفحة 339