كتاب الإحكام في أصول الأحكام - الآمدي (اسم الجزء: 2)
أَوْ بِسَلْبِ نِسْبَةٍ خَاصَّةٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِلْمًا بِحَقِيقَةِ الْخَبَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرٌ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَتْ تِلْكَ النِّسْبَةُ الْخَاصَّةُ مَعْلُومَةً بِالضَّرُورَةِ فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْلُومِ خَبَرًا سِوَى تِلْكَ النِّسْبَةِ الْخَاصَّةِ فَهُوَ (١) عَوْدٌ إِلَى التَّحْدِيدِ وَتَرْكٌ لِمَا قِيلَ.
الثَّانِي: إِنَّا؛ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْخَاصَّةِ مَعْلُومَةً بِالضَّرُورَةِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ الْمُطْلَقُ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرٌ كَذَلِكَ، قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُطْلَقَ جُزْءٌ مِنَ الْخَبَرِ الْخَاصِّ، لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُطْلَقَ أَعَمُّ مِنَ الْخَبَرِ الْخَاصِّ فَلَوْ كَانَ جُزْءًا مِنْ مَعْنَى الْخَبَرِ الْخَاصِّ، لَكَانَ الْأَعَمُّ مُنْحَصِرًا فِي الْأَخَصِّ وَهُوَ مُحَالٌ.
فَإِنْ قِيلَ: الْأَعَمُّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا فِيهِ بَيْنَ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تَحْتَهُ، وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاكِهَا فِيهِ سِوَى كَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ مَعْنَاهَا.
قُلْنَا: أَمَّا أَوَّلًا، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ (٢) الْأَعَمِّ مُشْتَرَكًا فِيهِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْأَنْوَاعِ أَوِ الْأَشْخَاصِ الَّتِي هِيَ أَخَصُّ مِنْهُ، بَلْ بِمَعْنَى لِحَدِّ أَنَّ حَدَّ الطَّبِيعَةِ الَّتِي عَرَضَ لَهَا إِنْ كَانَتْ كُلِّيَّةً مُطْلَقَةً مُطَابِقٌ طَبَائِعَ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ تَحْتَهَا.
وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عَامٍّ يَكُونُ جُزْءًا مِنْ مَعْنَى الْخَاصِّ، وَمُقَوِّمًا لَهُ بِجَوَازِ (٣) أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَعْرَاضِ الْعَامَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْ مَفْهُومِ الْمَعْنَى الْخَاصِّ، كَالْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تَحْتَهُمَا مِنْ مَعْنَى الْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ وَنَحْوِهِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَبَاطِلٌ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ إِنَّمَا هُوَ وَاقِعٌ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا يَحْسُنُ فِيهِ بَيَانُ الْأَمْرِ وَمَا يَحْسُنُ فِيهِ الْخَبَرُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ، أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
نَعَمْ؛ غَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ مَا يَجِدُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ طَلَبِ الْفِعْلِ وَالنِّسْبَةِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، وَلَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ. فَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْأَمْرِ وَالْخَبَرِ سِوَى ذَلِكَ الْمَعْلُومِ الْخَاصِّ، فَهُوَ أَيْضًا عَوْدٌ إِلَى التَّحْدِيدِ.
كَيْفَ وَإِنَّ
---------------
(١) جَوَابُ قَوْلِهِ: فَإِنْ قِيلَ وَرَدَ لِلِاعْتِرَاضِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ إِذَا الشَّرْطِيَّةِ لَا تَفْرِيعَ عَلَيْهَا.
(٢) فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ، فِيهِ تَحْرِيفٌ، الصَّوَابُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الْأَعَمِّ مُشْتَرَكًا.
(٣) لَعَلَّهُ لِجَوَازِ.
الصفحة 5
347