كتاب روضة الناظر وجنة المناظر (اسم الجزء: 2)

فإن قيل: الإتمام واجب بحكم الأصل فلما استثنى حالة الخوف: بقيت حالة الأمن على مقتضاه، فلذلك عجبا؛ حيث خولف الأصل.
ثم الآية حجة لنا1، فإنه لم يثبت انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط، فدل على انتفاء الدليل2.
قلنا: ليس في القرآن آية تدل على وجوب التمام، بل قد روي عن عمر -رضي الله عنه- وهو صاحب القصة، وعائشة، وابن عباس: "أن الصلاة إنما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر"3.
فدل على أن فهمهم: وجوب الإتمام وتعجبهم إنما كان لمخالفة دليل الخطاب، وإنما ترك دليل الخطاب لدليل آخر كما قد يخالف العموم.
ولما قال النبي، صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الأَسْوَدُ" قال عبد الله بن الصامت4 لأبي ذر5: ما بال الأسود من الأحمر من الأصفر؟
__________
1 أي: القائلون بأن مفهوم المخالفة ليس حجة.
2 أي الدليل الذي استدل به الجمهور وهو قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ... } إلى آخر القصة.
3 روى البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر".
وفي رواية أخرى للبخاري: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر-صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم- ففرضت أربعًا، وأقرت صلاة السفر على الأول".
زاد الإمام أحمد: ".....إلا المغرب، فإنها وتر النهار، وإلا الصبح، فإنها تطول فيها القراءة" سبل السلام "2/ 37".
4 هو: عبد الله بن الصامت الغفاري البصري، روى عن عمه أبي ذر الغفاري وعمر وعثمان، وروى عنه أبو العالية وغيره، وثقه النسائي وغيره، تابعي ثقة. انظر: خلاصة تذهيب تهذيب الكمال "2/ 67".
5 هو: جندب بن جنادة بن سفيان، أبو ذر الغفاري، من السابقين إلى الإسلام، =

الصفحة 119