كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

وَمَرَّةً لَا يُنْزِلُ، رَأَيْتُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ قَاصِدٌ لِانْتِهَاكِ صَوْمِهِ أَوْ مُتَعَرِّضٌ لَهُ. وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ السَّلَامَةُ فَقُدِّرَ أَنْ كان مِنْهُ خِلَافُ الْعَادَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، لن ذَلِكَ لَا يَجْرِي إِلَّا مِمَّنْ يَكُونُ ذَلِكَ طَبْعُهُ وَاكْتَفَى بِمَا ظَهَرَ مِنْهُ. وَحَمَلَ أَشْهَبُ الْأَمْرَ عَلَى الْغَالِبِ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَسْلَمُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُمْ فِي النَّظَرِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. قُلْتُ: مَا حَكَاهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ فِي النَّظَرِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ حَكَى الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى" فَإِنْ نَظَرَ نَظْرَةً وَاحِدَةً يقصد بها اللذة [فأنزل] «١» فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، لِأَنَّهُ إذا قصد بها الاستمتاع كانت كَالْقُبْلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ". وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ فِيمَنْ رَدَّدَ النَّظَرَ إِلَى الْمَرْأَةِ حَتَّى أَمْنَى: فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وروى في المدنية ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إِنْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ مُتَجَرِّدَةٍ فَالْتَذَّ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دون الكفارة. الرابعة عشرة- والجمهور من العلماء عَلَى صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ:" وَذَلِكَ جَائِزٌ إِجْمَاعًا، وَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ كَلَامٌ ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَإِنَّ صَوْمَهُ صَحِيحٌ". قُلْتُ: أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ وُقُوعِ الْكَلَامِ فَصَحِيحٌ مَشْهُورٌ، وَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ، أَخْرَجَهُ الْمُوَطَّأُ وَغَيْرُهُ. وَفِي كِتَابِ النَّسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا رُوجِعَ: وَاللَّهِ مَا أَنَا قُلْتُهُ، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ قَالَهُ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي رُجُوعِهِ عَنْهَا، وَأَشْهَرُ قَوْلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا صَوْمَ لَهُ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ
بْنِ صَالِحٍ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَ: إِذَا عَلِمَ بِجَنَابَتِهِ ثُمَّ نَامَ حَتَّى يُصْبِحَ فَهُوَ مُفْطِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَصْبَحَ
---------------
(١). زيادة عن كتاب" المنتقى" يقتضيها السياق.

الصفحة 325