كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الشُّهَدَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى مَا أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" «١» [لقمان: ١٧]. وَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَجُلٌ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ فَقَتَلَهُ). وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي [آلِ عِمْرَانَ] إِنْ شَاءَ تَعَالَى. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَحْسِنُوا" أَيْ فِي الْإِنْفَاقِ فِي الطَّاعَةِ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ فِي إِخْلَافِهِ عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ: أَحْسِنُوا فِي أَعْمَالِكُمْ بِامْتِثَالِ الطَّاعَاتِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصحابة.

[سورة البقرة (٢): آية ١٩٦]
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ" فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِلَّهِ، فَقِيلَ: أَدَاؤُهُمَا والإتيان بهما، كقوله:" فَأَتَمَّهُنَّ" [البقرة: ١٢٤] وقوله:" ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ" [البقرة: ١٨٧] أَيِ ائْتُوا بِالصِّيَامِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَوْجَبَ الْعُمْرَةَ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهَا قَالَ: الْمُرَادُ تَمَامُهُمَا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِمَا، فَإِنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فِيهِ وَلَا يَفْسَخُهُ، قَالَ مَعْنَاهُ الشَّعْبِيِّ وَابْنُ زَيْدٍ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَفَعَلَهُ عِمْرَانُ بن حصين. وقال سفيان
---------------
(١). راجع ج ١٤ ص ٦٨.

الصفحة 365