كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

قُلْتُ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كَانَ تَامَّةً، مِثْلَ قَوْلِهِ:" وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ" فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى خَبَرٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا. وَيَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ" رَفَثٌ وَفُسُوقٌ" بِالِابْتِدَاءِ،" وَلَا" لِلنَّفْيِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْضًا. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْقَعْقَاعِ بِالرَّفْعِ فِي الثَّلَاثَةِ. وَرُوِيَتْ عَنْ عَاصِمٍ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ" فِي الْحَجِّ" خَبَرُ الثَّلَاثَةِ، كَمَا قُلْنَا فِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْسُنْ أَنْ يَكُونَ" فِي الْحَجِّ" خَبَرٌ عَنِ الْجَمِيعِ مَعَ اخْتِلَافِ الْقِرَاءَةِ، لِأَنَّ خَبَرَ لَيْسَ مَنْصُوبٌ وَخَبَرَ" وَلا جِدالَ" مَرْفُوعٌ، لِأَنَّ" وَلا جِدالَ" مَقْطُوعٌ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَلَا يَعْمَلُ عَامِلَانِ فِي اسْمٍ وَاحِدٍ. وَيَجُوزُ" فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ" تَعْطِفُهُ على الموضع. وأنشد النحويون:
لَا نَسَبَ الْيَوْمَ وَلَا خُلَّةْ ... اتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعْ «١»
وَيَجُوزُ فِي الْكَلَامِ" فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقًا وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ" عَطْفًا عَلَى اللَّفْظِ عَلَى مَا كَانَ يَجِبُ فِي" لَا" قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِثْلُهُ:
فَلَا أَبَ وَابْنًا مِثْلَ مَرْوَانَ وَابْنِهِ ... إِذَا هُوَ بِالْمَجْدِ ارْتَدَى وَتَأَزَّرَا
وَقَالَ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ:" فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ" بِالنَّصْبِ فِيهِمَا،" وَلَا جِدَالٌ" بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ. وَأَنْشَدَ الْأَخْفَشُ:
هَذَا وَجَدُّكُمُ الصِّغَارُ بِعَيْنِهِ ... لَا أُمَّ لِي إِنْ كَانَ ذَاكَ وَلَا أَبُ
وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى" فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ" النَّهْيُ، أَيْ لَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا. وَمَعْنَى" وَلا جِدالَ" النَّفْيُ، فَلَمَّا اخْتَلَفَا فِي الْمَعْنَى خُولِفَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وفية نظر، إذ فيل:" وَلا جِدالَ" نَهْيٌ أَيْضًا، أَيْ لَا تُجَادِلُوا، فَلِمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. التَّاسِعَةُ-" وَلا جِدالَ" الْجِدَالُ وَزْنُهُ فِعَالٌ مِنَ الْمُجَادَلَةِ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الجدل وهو القتل، وَمِنْهُ زِمَامٌ مَجْدُولٌ. وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الجدالة التي هي الأرض.
---------------
(١). البيت لأنس العباس السلمى. راجع الكلام عليه في شرح الشواهد الكبرى للعينى.

الصفحة 409