كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 2)

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَصُمْهُ- يَعْنِي يَوْمَ عَرَفَةَ- وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ عُمَرَ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَسْتَحِبُّونَ الْإِفْطَارَ بِعَرَفَةَ لِيَتَقَوَّى بِهِ الرَّجُلُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَقَدْ صَامَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ". وَأُسْنِدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ، وَأَنَا لَا أَصُومُهُ وَلَا آمُرُ بِهِ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ، حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ عَطَاءٌ فِي صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ: أَصُومُ فِي الشِّتَاءِ وَلَا أَصُومُ فِي الصَّيْفِ. وَقَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ: يَجِبُ الْفِطْرُ يَوْمَ عَرَفَةَ. وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي، الْعَاصِي وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةُ يَصُومُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الْفِطْرُ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ أَحَبُّ إِلَيَّ، اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصَّوْمُ بِغَيْرِ عَرَفَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ). وَقَدْ رُوِينَا عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ يَوْمَ عَرَفَةَ لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ الصَّائِمِ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ" أَيِ اذْكُرُوهُ بِالدُّعَاءِ وَالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ. وَيُسَمَّى جَمْعًا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ ثَمَّ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: لِاجْتِمَاعِ آدَمُ فِيهِ مَعَ حَوَّاءَ، وَازْدَلَفَ إِلَيْهَا، أَيْ دَنَا مِنْهَا، وَبِهِ سُمِّيَتْ الْمُزْدَلِفَةُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: سُمِّيَتْ بِفِعْلِ أَهْلِهَا، لِأَنَّهُمْ يَزْدَلِفُونَ إِلَى اللَّهِ، أَيْ يَتَقَرَّبُونَ بِالْوُقُوفِ فِيهَا. وَسُمِّيَ مَشْعَرًا مِنَ الشِّعَارِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ، لِأَنَّهُ مَعْلَمٌ لِلْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالْمَبِيتِ بِهِ، وَالدُّعَاءِ عِنْدَهُ مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ. وَوُصِفَ بِالْحَرَامِ لِحُرْمَتِهِ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ- لَا اخْتِلَافَ بَيْنِهِمْ- أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَجْمَعَ الْحَاجُّ بِجَمْعٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. واختلفوا فيمن صلاها؟ أَنْ يَأْتِيَ جَمْعًا، فَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَدَفَعَ بِدَفْعِهِ فَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ فَيَجْمَعُ بَيْنَهَا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: (الصَّلَاةُ أَمَامَكُ
). قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ دون

الصفحة 421