كتاب شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)
3030 - حَدَّثَنَا يُونُسُ , قَالَ: أنا ابْنُ وَهْبٍ , أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَ: نَزَلْتُ وَأَهْلِي , بَقِيعَ الْغَرْقَدِ , فَقَالَ لِي أَهْلِي: اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْأَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأْكُلْهُ , وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ حَاجَتَهُمْ. فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلًا يَسْأَلُهُ , وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا أَجِدُ مَا أُعْطِيكَ» , فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ مُغْضَبٌ وَهُوَ يَقُولُ: لَعَمْرِي إِنَّكَ لَتُفَضِّلُ مَنْ شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيَغْضَبُ عَلَى أَنْ لَا أَجِدَ مَا أُعْطِيهِ , §مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ , وَعِنْدَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَهَا إِلْحَافًا» . قَالَ الْأَسَدِيُّ: فَقُلْتُ لِلَّقْحَةِ لَنَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ قَالَ: وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا , قَالَ: فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ. فَقَدِمَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَعِيرٍ وَزَبِيبٍ وَزُبْدٍ , فَقَسَمَ لَنَا مِنْهُ حَتَّى أَغْنَانَا اللهُ "
3031 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ , قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ , قَالَ: ثنا سُفْيَانُ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ , عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ , عَنْ عَبْدِ اللهِ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §الْأَيْدِي ثَلَاثٌ: فَيَدُ اللهِ الْعُلْيَا , وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا , وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , فَاسْتَعْفِفْ مَا اسْتَطَعْتَ , وَلَا تَعْجِزْ عَنْ نَفْسِكَ , وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ وَإِذَا آتَاكَ اللهُ خَيْرًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَتِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَبَاحَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا هِيَ لِلْفَقْرِ لَا غَيْرِهِ. وَكَانَ تَصْحِيحُ مَعَانِي هَذِهِ الْآثَارِ، عِنْدَنَا، يُوجِبُ أَنَّ مَنْ قَصَدَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» , هُوَ غَيْرُ مَنِ اسْتَثْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ خَنْبَشٍ بِقَوْلِهِ: «إِلَّا مِنْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ , أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ» وَأَنَّهُ الَّذِي يُرِيدُ بِمَسْأَلَتِهِ أَنْ يُكْثِرَ مَالَهُ , وَيَسْتَغْنِيَ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ , حَتَّى تَصِحَّ هَذِهِ الْآثَارُ , وَتَتَّفِقَ مَعَانِيهَا وَلَا تَتَضَادَّ. وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي حَمَلْنَا عَلَيْهِ وُجُوهَ هَذِهِ الْآثَارِ , هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ , رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى. فَإِنْ سَأَلَ سَائِلٌ عَنْ مَعْنَى حَدِيثِ عُمَرَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْوٍ مِنْ هَذَا
3032 - وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ , قَالَ: ثنا أَبُو الْيَمَانِ , قَالَ: أنا شُعَيْبٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , قَالَ: ثنا السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ أَنْ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ السَّعْدِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِي مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالًا , فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعُمَالَةَ كَرِهْتَهَا فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ لِي أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا وَأَنَا أَتَّجِرُ , وَأُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عُمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ. -[22]- فَقَالَ عُمَرُ: فَلَا تَفْعَلْ , فَإِنِّي قَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ الَّذِي أَرَدْتَ , وَقَدْ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي , حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا، فَقُلْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ , وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ , وَلَا سَائِلٍ , فَخُذْهُ , وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» . قَالَ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ هَذَا عَلَى أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ , إِنَّمَا هَذَا عَلَى الْأَمْوَالِ الَّتِي يَقْسِمُهَا الْإِمَامُ عَلَى النَّاسِ , فَيَقْسِمُهَا عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ. كَمَا فَرَضَ عُمَرُ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ , فَفَرَضَ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ وَلِلْفُقَرَاءِ , فَكَانَتْ تِلْكَ الْأَمْوَالُ يُعْطَاهَا النَّاسُ , لَا مِنْ جِهَةِ الْفَقْرِ , وَلَكِنْ لِحُقُوقِهِمْ فِيهَا. فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ , حِينَ أَعْطَاهُ الَّذِي كَانَ أَعْطَاهُ مِنْهَا قَوْلُهُ: «أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي» . أَيْ: إِنِّي لَمْ أُعْطِكَ ذَلِكَ لِأَنَّكَ فَقِيرٌ , إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ لِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ الْفَقْرِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ خُذْهُ , فَتَمَوَّلْهُ فَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ , لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصَّدَقَاتِ مَا يَتَّخِذُهُ مَالًا , كَانَ ذَلِكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ. ثُمَّ قَالَ: " فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي هَذَا حُكْمُهُ , وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ , أَيْ تَأْخُذُهُ بِغَيْرِ إِشْرَافٍ. وَالْإِشْرَافُ: أَنْ تُرِيدَ بِهِ مَا قَدْ نُهِيتَ عَنْهُ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ وَلَا مُشْرِفٍ أَيْ: وَلَا تَأْخُذْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ لَكَ فِيهَا , فَيَكُونُ ذَلِكَ شَرَفًا فِيهَا وَلَا سَائِلٍ أَيْ: وَلَا سَائِلٍ مِنْهَا مَا لَا يَجِبُ لَكَ. فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ، عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ. فَأَمَّا مَا جَاءَ فِي أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ , فَقَدْ أَتَيْنَا بِمَعَانِي ذَلِكَ , فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ , مِنْ هَذَا الْبَابِ
الصفحة 21
276