كتاب شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)

4038 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ ح

4039 - وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ , قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ , عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: " §إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ , فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَالطِّيبُ. فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ , أَفَطِيبٌ هُوَ "؟ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ إِبَاحَةِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ , إِذْ رَمَيْتَ الْجَمْرَةَ , وَلَا يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ الْحَلْقَ. وَفِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ وَلَمْ يُخْبِرْ بِالْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْحَلْقِ , وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ إِلَّا أَنَّ أَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِنَا , أَنْ نَحْمِلَ ذَلِكَ , عَلَى مَا يُوَافِقُ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ , عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا لَا عَلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. فَيَكُونُ مَا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ رَمْيِهِ الْجَمْرَةَ وَحَلْقِهِ , عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا. ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُعَدُّ بِرَأْيِهِ إِذَا رَمَى فَقَدْ حَلَّ لَهُ بِرَمْيِهِ أَنْ يَحْلِقَ , حَلَّ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ وَيَتَطَيَّبَ. -[230]- وَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَمِلُ النَّظَرَ , وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ وَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ , فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَلْقُ الرَّأْسِ إِذَا حَلَّ , حَلَّتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ , وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَكُونَ الْحَلْقُ. فَاعْتَبَرْنَا ذَلِكَ , فَرَأَيْنَا الْمُعْتَمِرَ , يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ فِي عُمْرَتِهِ , مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ فِي حَجَّتِهِ. ثُمَّ إِذَا رَأَيْنَاهُ إِذَا طَافَ: بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ , فَقَدْ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ , وَلَا الطِّيبُ , وَلَا اللَّبَائِسُ حَتَّى يَحْلِقَ. فَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَةُ الْعُمْرَةِ قَائِمَةً حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ , وَلَا يَكُونُ إِذَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ فِي حُكْمِ مَنْ حَلَّ لَهُ , مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ , كَانَ كَذَلِكَ فِي الْحَجَّةِ , لَا يَجِبُ لِمَا حَلَّ لَهُ الْحَلْقُ فِيهَا أَنْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا سِوَاهُ , مِمَّا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ بِهَا حَتَّى يَحْلِقَ , قِيَاسًا وَنَظَرًا عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي الْعُمْرَةِ. ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى النَّظَرِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا وَبَيْنَ أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى حَدِيثِ عُكَّاشَةَ. فَرَأَيْنَا الرَّجُلَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ , وَالطِّيبُ , وَاللِّبَاسُ , وَالصَّيْدُ , وَالْحَلْقُ , وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ , فَإِذَا أَحْرَمَ , حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ , وَهُوَ الْإِحْرَامُ. فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَمَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ أَنْ يَحِلَّ مِنْهَا أَيْضًا , بِسَبَبٍ وَاحِدٍ , وَاحْتُمِلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْهَا بِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ , إِحْلَالًا بَعْدَ إِحْلَالٍ. فَاعْتَبَرْنَا ذَلِكَ , فَرَأَيْنَاهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إِذَا رَمَى , فَقَدْ حَلَّ لَهُ الْحَلْقُ , هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ , وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْجِمَاعَ حَرَامٌ عَلَيْهِ عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى , فَثَبَتَ أَنَّهُ حَلَّ مِمَّا قَدْ كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ. فَبَطَلَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا. فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْحَلْقَ يَحِلُّ لَهُ إِذَا رَمَى , وَأَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ بَعْدَ حَلْقِ رَأْسِهِ أَنْ يَحْلِقَ مَا شَاءَ مِنْ شَعْرِ بَدَنِهِ , وَيَقُصَّ أَظْفَارَهُ , أَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ , هَلْ حُكْمُ اللِّبَاسِ حُكْمُ ذَلِكَ أَوْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْجِمَاعِ , فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلُّ الْجِمَاعُ؟ فَاعْتَبَرْنَا ذَلِكَ , فَرَأَيْنَا الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِذَا جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ بِعَرَفَةَ , فَسَدَ حَجَّهُ , وَرَأَيْنَاهُ إِذَا حَلَقَ شَعْرَهُ أَوْ قَصَّ أَظْفَارَهُ , وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فِدْيَةٌ , وَلَمْ يَفْسُدْ بِذَلِكَ حَجُّهُ. وَرَأَيْنَا لَوْ لَبِسَ ثِيَابًا قَبْلَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ , لَمْ يَفْسُدْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِحْرَامُهُ , وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فِدْيَةٌ. فَكَانَ حُكْمُ اللِّبَاسِ , قَبْلَ عَرَفَةَ , مِثْلَ حُكْمِ قَصِّ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ , لَا مِثْلَ حُكْمِ الْجِمَاعِ. فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ أَيْضًا بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ كَحُكْمِهَا , لَا كَحُكْمِ الْجِمَاعِ فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ. -[231]- فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ رَأَيْنَا الْقُبْلَةَ حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِمِ , بَعْدَ أَنْ يَحْلِقَ , وَهِيَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ , فِي حُكْمِ اللِّبَاسِ , لَا فِي حُكْمِ الْجِمَاعِ , فَلِمَ لَا كَانَ اللِّبَاسُ بَعْدَ الْحَلْقِ أَيْضًا كَهِيَ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اللِّبَاسَ بِالْحَلْقِ , أَشْبَهَ مِنْهُ بِالْقُبْلَةِ , لِأَنَّ الْقُبْلَةَ هِيَ بَعْضُ أَسْبَابِ الْجِمَاعِ , وَحُكْمُهَا حُكْمُهُ , تَحِلُّ حَيْثُ يَحِلُّ , وَتَحْرُمُ حَيْثُ يَحْرُمُ , فِي النَّظَرِ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. وَالْحَلْقُ وَاللِّبَاسُ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ الْجِمَاعِ إِنَّمَا هُمَا مِنْ أَسْبَابِ إِصْلَاحِ الْبَدَنِ , فَحُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِ صَاحِبِهِ , أَشْبَهُ مِنْ حُكْمِهِ بِالْقُبْلَةِ , فَقَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاللِّبَاسِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ. وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْدِهِ

الصفحة 229