كتاب شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)
3096 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ , قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ , قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ , قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , " عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ , أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُصَ الْعِنَبَ زَبِيبًا , كَمَا يَخْرُصَ الرُّطَبَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَذَهَبَ قَوْمٌ , أَنَّ الثَّمَرَةَ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ , هَكَذَا حُكْمُهَا , تُخْرَصُ وَهِيَ رُطَبٌ تَمْرًا , فَيُعْلَمُ مِقْدَارُهَا , فَتُسَلَّمُ إِلَى رَبِّهَا , وَيُمْلَكُ بِذَلِكَ حَقُّ اللهِ تَعَالَى فِيهَا , وَيَكُونُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا مَكِيلَةً ذَلِكَ تَمْرًا , وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي الْعِنَبِ , وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآثَارِ. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ , فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ التَّمْرَةَ كَانَتْ رُطَبًا فِي وَقْتِ مَا خُرِصَتْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَانَتْ رُطَبًا حِينَئِذٍ , فَتُجْعَلُ لِصَاحِبِهَا حَقَّ اللهِ فِيهَا بِمَكِيلَةِ ذَلِكَ تَمْرًا يَكُونُ عَلَيْهِ نَسِيئَةً. وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا» , «وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً» , وَجَاءَتْ بِذَلِكَ عَنْهُ الْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ الصَّحِيحَةُ , قَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا , وَلَمْ يَسْتَثْنِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا. فَلَيْسَ وَجْهُ مَا رَوَيْنَا فِي الْخَرْصِ عِنْدَنَا , عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ , وَلَكِنَّ وَجْهَ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ إِنَّمَا أُرِيدَ بِخَرْصِ ابْنِ رَوَاحَةَ , لِيَعْلَمَ بِهِ مِقْدَارَ مَا فِي أَيْدِي كُلِّ قَوْمٍ مِنَ الثِّمَارِ , فَيُؤْخَذُ مِثْلُهُ بِقَدْرِهِ فِي وَقْتِ الصِّرَامِ , لَا أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا يَجِبُ لِلَّهِ فِيهِ بِبَدَلٍ لَا يَزُولُ ذَلِكَ الْبَدَلُ عَنْهُمْ. وَكَيْفَ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تُصِيبَ بَعْدَ ذَلِكَ آفَةٌ فَتُتْلِفَهَا , أَوْ نَارٌ فَتُحْرِقَهَا , فَتَكُونُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِهَا بَدَلًا مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالَى فِيهَا مَأْخُوذًا مِنْهُ , بَدَلًا مِمَّا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ الْخَرْصِ مَا ذَكَرْنَا , وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ , فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا
وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا
3097 - مَا حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ , قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ , قَالَ: ثنا شُعْبَةُ , عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ نِيَارٍ , عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§إِذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا , وَدَعُوا الثُّلُثَ , فَإِنْ لَمْ تَدْعُوَا الثُّلُثَ , فَدَعُوا الرُّبُعَ» -[40]- فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي وَقْتِ مَا يُؤْخَذُ الزَّكَاةُ , لِأَنَّ ثَمَرَتَهُ لَوْ بَلَغَتْ مِقْدَارَ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ , لَمْ يُحَطَّ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا , فَأَخَذَ مِنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا بِكَمَالِهِ , هَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. وَلَكِنَّ الْحَطِيطَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا هِيَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ مَا يَأْكُلُ مِنَ الثَّمَرَةِ أَهْلُهَا , قَبْلَ أَوَانِ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهَا. فَأَمَرَ الْخُرَّاصَ أَنْ يُلْقُوا مِمَّا يَخْرُصُونَ , الْمِقْدَارَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ , لِئَلَّا يُحْتَسَبَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الثِّمَارِ فِي وَقْتِ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ الْخُرَّاصَ بِذَلِكَ أَيْضًا
الصفحة 39
276