كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 2)

وغص المسجد بأهله في الليلة الرابعة" ، وفي قوله: "خشيت أن يكتب عليكم الوتر" دلالة على أن الوتر غير واجب.
واعلم أن أثبت صلاة التراويح وجعلها سنة في قيام رمضان استدل بهذا الحديث على ذلك، وليس فيه دليل على كيفية ما يفعلونه ولا كميته، فإنهم يصلونها جماعة عشرين يتروحون بين كل ركعتين، فأما الجماعة فإن عمر أول من جمعهم على إمام معين وقال: "إنها بدعة" كما أخرجه مسلم في صحيحه، وأخرجه غيره من حديث أبي هريرة: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، قال: وتوفي رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم والأمر على ذلك، وفي خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر"، زاد في رواية عند البيهقي: "قال عروة فأخبرني عبد الرحمن القاري أن عمر بن الخطاب خرج ليلة فطاف في رمضان في المسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط"، فقال عمر: والله لأظن لو جمعناهم على قارىء واحد فأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان فخرج عمر والناس يصلون بصلاته فقال عمر: "نعم البدعة هذه"، وساق البيهقي في السنن عدة روايات في هذا المعنى.
واعلم أنه يتعين حمل قوله بدعة على جمعه لهم على معين وإلزامهم بذلك لا أنه أراد أن الجماعة بدعة فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قد جمع بهم كما عرفت. إذا عرفت هذا عرفت أن عمر هو الذي جعلها جماعة على معين وسماها بدعة.
وأما قوله: "نعم البدعة"، فليس في البدعة ما يمدح بل كل بدعة ضلالة، وأما الكمية وهي جعلها عشرين ركعة، فليس فيه حديث مرفوع إلا ما رواه عبد بن حميد والطبراني من طريق أبي شيبة إبراهيم بن عثمان، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: "أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر"، قال في سبل الرشاد: أبو شيبة ضعفه أحمد، وابن معين، والبخاري، ومسلم، وداود، والترمذي والنسائي، وغيرهم وكذبه شعبة، وقال ابن معين: ليس بثقة، وعد هذا الحديث من منكراته، وقال الأذرعي في المتوسط: وأما ما نقل أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم صلى في الليلتين اللتين خرج فيهما عشرين ركعة فهو منكر، وقال الزركشي في الخادم: دعوى أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم صلى بهم في تلك الليلة عشرين ركعة لم تصح، بل الثابت في الصحيح الصلاة من غير ذكر بالعداد ولما في رواية جابر: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم صلى بهم ثمان ركعات والوتر، ثم انتظروه في القابلة فلم يخرج إليهم". رواه ابن حبان في صحيحهما انتهى.
وأخرج البيهقي رواية ابن عباس من طريق أبي شيبة، ثم قال: إنه ضعيف وساق روايات: "أن عمر أمر أبياً وتميماً الداري يقومان بالناس بعشرين ركعة". وفي رواية: "أنهم كانوا يقومون في زمن عمر بعشرين ركعة"، وفي رواية بثلاث وعشرين ركعة. وفي رواية: "أن علياً رضي الله عنه كان يؤمهم بعشرين ركعة ويوتر بثلاث"، قال: وفيه قوة.
إذا عرفت هذا علمت أنه ليس في العشرين رواية مرفوعة، بل يأتي حديث عائشة المتفق عليه قريباً: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ما كان

الصفحة 10