كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 2)

إلى العمرةُ كفّارةٌ لما بينهما، والحج المبرور” قيل هو الذي لا يخالطه شيء من الإثم ورجحه النووي وقيل: المقبول، وقيل: هو الذي تظهر ثمرته على صاحبه بأن يكون حاله بعده خيراً من حاله قبله. وأخرج أحمد والحاكم من حديث جابر: قيل يا رسول الله ما برّ الحج قال: "إطعام الطعام وإفشاء السلام" وفي إسناده ضعف ولو ثبت لتعين به التفسير "ليس لهُ جزاءً إلا الجنة" متفق عليه.
العمرة لغة: الزيارة، وقيل: القصد. وفي الشرع: إحرام وسعي وطواف وحلق أو تقصير، سميت بذلك لأنه يزار بها البيت ويقصد.
وفي قوله: "العمرة إلى العمرة" دليل على تكرار العمرة وأنه لا كراهة في ذلك ولا تحديد بوقت.
وقالت المالكية: يكره في السنة أكثر من عمرة واحدة واستدلوا له بأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة وأفعاله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم تحمل عندهم على الوجوب أو الندب. وأجيب عنه: بأنه علم من أحواله صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك الشي وهو يستحب فعله ليرفع المشقة عن الأمة وقد ندب إلى ذلك بالقول.
وظاهر الحديث عموم الأوقات في شرعيتها وإليه ذهب الجمهور. وقيل: إلا للمتلبس بالحج، وقيل: إلا أيام التشريق، وقيل: ويوم عرفة وقيل: إلا أشهر الحج لغير المتمتع والقارن.
والأظهر أنها مشروعة مطلقاً، وفعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لها في أشهر الحج ويرد قول من قال بكراهتها فيها، فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لم يعتمر عمره الأربع إلا في أشهر الحج كما هو معلوم وإن كانت العمرة الرابعة في حجة، فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حج قارناً كما تظاهرت عليه الأدلة وإليه ذهب الأئمة الأجلة.
2ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله على النساء جهاد؟) هو إخبار يراد به الاستفهام (قال: "نعمْ عليهن جهادٌ لا قتال فيه" كأنها قالت ما هو؛ فقال: "الحجُّ والعُمرةُ" أطلق عليهما لفظ الجهاد مجازاً شبههما بالجهاد وأطلقه عليهما بجامع المشقة وقوله: "لا قتال فيه" إيضاح للمراد وبذكره خرج عن كونه استعارة والجواب من الأسلوب الحكيم (رواه أحمد وابن ماجه واللفظ له) أي لابن ماجه (وإسناده صحيح، وأصله في الصحيح) أي في صحيح البخاري وأفادت عبارته أنه إذا أطلق الصحيح المراد به البخاري.وأراد بذلك ما أخرجه البخاري من حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: "لا؛ لكن أفضل الجهاد حج مبرور". وأفاد تقييد إطلاق رواية أحمد للحج، أفاد أن الحج والعمرة تقوم مقام الجهاد في حق النساء، وأفاد أيضاً بظاهره أن العمرة واجبة إلا أن الحديث الآتي بخلافه وهو:
3 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتى النبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أعرابيٌّ) بفتح الهمزة نسبة إلى الأعراب وهم سكان البادية الذين يطلبون مساقط الغيث والكلإ، سواء كانوا من العرب أو من مواليهم، والعربي: من كان نسبه إلى العرب ثابتاً، وجمعه أعراب ويجمع الأعرابي على الأعراب والأعارب (فقال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة) أي عن حكمها كما أفاده (أواجبة هي؟ فقال: "لا" أي لا تجب وهو من الاكتفاء "وأن تعتمر خيرٌ لك" أي من تركها، والأخْيِرَة في الأجر تدل على ندبها وأنها غير مستوية الطرفين حتى تكون من

الصفحة 178