كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 2)

7-(وعنه) أي ابن عباس رضي الله عنهما. (قال: أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ) أي أصحابه الذين قدموا معه مكة في عمرة القضاء (أن يرمُلوا) بضم الميم (ثلاثة أشواط) أي يهرولون فيها في الطواف (ويمشوا أربعاً ما بين الركنين. متفق عليه).
8- وعن ابن عُمَر رضي اللَّهُ عَنْهُما "أَنّهُ كان إذا طاف بالبيتِ الطّوافَ الأوَّلَ خَبَّ ثلاثاً ومشى أَرْبعاً" وفي رواية "رأَيتُ رسول اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا طاف في الحج أَو العُمْرة أَوَّل ما يقْدُمُ فإنّه يسعى ثلاثة أَطواف بالبيت ويمشي أَربعةً" مُتّفقٌ عليه.
وأصل ذلك ووجه حكمته ما رواه ابن عباس قال: "قدم رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وأصحابه مكة، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وفد قد وهنتهم حمى يثرب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم". أخرجه الشيخان، وفي لفظ مسلم: "إن المشركين جلسوا مما يلي الحجر وإنهم حين رأوهم يرملون قالوا: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وهنتهم؟ إنهم لأجلد من كذا وكذا". وفي لفظ لغيره "إن هم إلا كالغزلان" فكان هذا أصل الرمل، وسببه إغاظة المشركين وردّ قولهم، وكان هذا في عمرة القضاء ثم صار سنّة، ففعله في حجة الوداع مع زوال سببه وإسلام من في مكة وإنما لم يرملوا بين الركنين لأن المشركين كانوا من ناحية الحجر عند قعيقعان فلم يكونوا يرون من بين الركنين.
وفيه دليل على أنه لا بأس بقصد إغاظة الأعداء بالعبادة وأنه لا ينافي إخلاص العمل بل هو إضافة طاعة إلى طاعة وقد قال تعالى: {وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}
9- (.وعنه) أي ابن عباس (قال: لم أر رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلّم يستلم من البيت غير الركنين اليمانيين. رواه مسلم).
اعلم أن للبيت أربعة أركان: الركن الأسود ثم اليماني، ويقال لهما: اليمانيان بتخفيف الياء وقد تشدّد وإنما قيل لهما اليمانيان تغليباً كالأبوين والقمرين، والركنان الآخران يقال لهما: الشاميان وفي الركن الأسود فضيلتان كونه على قواعد إبراهيم عليه السلام والثانية كونه فيه الحَجَر وأما اليماني ففيه فضيلة كونه على قواعد إبراهيم، وأما الشاميان فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين فلهذا خص الأسود بسنتي التقبيل والاستلام للفضيلتين، وأما اليماني فيستلمه من يطوف ولا يقبله لأن فيه فضيلة واحدة.
واتفقت الأمة على استحباب استلام الركنين اليمانيين، واتفق الجماهير على أنه لا يمسح الطائف الركنين الآخرين. قال القاضي: وكان فيه أي في استلام الركنين الآخرين خلاف لبعض الصحابة والتابعين وانقرض الخلاف وأجمعوا على أنهما لا يستلمان وعليه حديث الباب.
10- وعن عُمَرَ رضي الله عنهُ: "أنّهُ قَبّلَ الحجر وقالَ: إني أَعْلمُ أَنك حجرٌ لا تضُرُّ ولا تنْفعُ، ولولا أَني رأَيتُ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يُقَبِّلكَ ما قبّلْتك" مُتّفقٌ عليه.
وأخرج مسلم من حديث سويد بن غفلة أنه قال: رأيت عمر قبل الحجر والتزمه وقال: رأيت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بك حفياً. وأخرج البخاري أن رجلا سأل ابن عمرعن استلام الحجر فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمله ويقبله قال: أرأيت إن زحمت أرأيت إن غلبت؟ قال: اجعل أرأيت باليمن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله. وروى الأزرقي

الصفحة 205