كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 2)

من مزدلفة قبل الفجر ولكن للعذر كما أفاده قولها: "وكانت ثبطة" وجمهور العلماء أنه يجب المبيت بمزدلفة ويلزم من تركه دم. وذهب آخرون إلى أنه سنة إن تركه فاتته الفضيلة ولا إثم عليه ولا دم ويبيت أكثر الليل، وقيل: ساعة من النصف الثاني، وقيل غير ذلك والذي فعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم المبيت بها إلى أن صلى الفجر، وقد قال: "خذوا عني مناسككم" .
16- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لنا رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس" رواه الخمسة إلا النسائي وفيه انقطاع) وذلك لأن فيه الحسن العرني بجلي كوفي ثقة احتج به مسلم واستشهد به البخاري غير أن حديثه عن ابن عباس منقطع، قال أحمد: الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس. وفيه دليل على أن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس وإن كان الرامي ممن أبيح له التقدم إلى منى وأذن له في عدم المبيت بمزدلفة.
وفي المسألة أربعة أقوال: الأول: جواز الرمي من بعد نصف الليل للقادر والعاجز، قاله أحمد والشافعي. الثاني: لا يجوز إلا بعد الفجر مطلقاً وهو قول أبي حنيفة. الثالث: لايجوز للقادر إلا بعد طلوع الفجر ولمن له عذر بعد نصف الليل وهو قول الهادوية. والرابع: للثوري والنخعي أنه من بعد طلوع الشمس للقادر وهذا أقوى الأقوال دليلاً وأرجحها قيلاً.
17- (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت . رواه أبو دادو وإسناده على شرط مسلم) الحديث دليل على جواز الرمي قبل الفجر لأن الظاهر أنه لا يخفى عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ذلك، فقرره وقد عارضه حديث ابن عباس وجمع بينهما بأنه لا يجوز الرمي قبل الفجر لمن له عذر، وكان ابن عباس لا عذر له، وهذا قول الهادوية فإنهم يقولون: لا يجوز الرمي للقادر إلا بعد الفجر ويجوز لغيره من بعد نصف الليل إلا أنهم أجازوا للقادر قبل طلوع الشمس. وقد ذهب الشافعي إلى جواز الرمي من بعد نصف الليل للقادر والعاجز، وقال آخرون: إنه لا رمي إلا من بعد طلوع الشمس للقادر وهو الذي يدل له فعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وقوله في حديث ابن عباس المتقدم قريباً وهو وإن كان فيه انقطاع فقد عضده فعله مع قوله: "خذوا عني" الحديث، وقد تقدمت أقوال العلماء في ذلك.
18- (وعن عروة بن مضرس) بضم الميم وتشديد الراء وبالضاد المعجمة والسين المهملة كوفي شهد حجة الوداع، وصدر حديثه أنه قال: "أتيت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بالموقف يعني جمعاً فقلت: جئت يا رسول الله من جبل طيء فأكلت مطيتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟"، ثم ذكر الحديث، (قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "من شهد صلاتنا" يعني صلاة الفجر هذه (يعني بالمزدلفة "فوقف معنا" أي في مزدلفة، "حتى ندفع" وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً "فقد تم حجه وقضى تفثه" رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن خزيمة) فيه دلالة على أنه لا يتم الحجة إلا بشهود صلاة الفجر بمزدلفة والوقوف بها حتى يدفع

الصفحة 208