كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 2)
كِتَابُ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَسْلِيمًا كَثِيرًا. وَذِكْرُ شَيْءٍ مِنَ الْبِشَارَاتِ بِذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وكانت الأحبار من اليهود والكهان من النصارى ومن الْعَرَبِ قَدْ تَحَدَّثُوا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ لَمَّا تَقَارَبَ زَمَانُهُ، أَمَّا الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ وَالرُّهْبَانُ مِنَ النَّصَارَى فَعَمَّا وَجَدُوا فِي كُتُبِهِمْ مَنْ صِفَتِهِ وَصِفَةِ زَمَانِهِ وَمَا كَانَ مِنْ عَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ إِلَيْهِمْ فِيهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ في التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ 7: 157 الآية وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 61: 6. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ في التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ في الْإِنْجِيلِ 48: 29 الآية [1] . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي؟ قالُوا أَقْرَرْنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ 3: 81 وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا أُخِذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقُ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لِيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلِيَنْصُرُنَّهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أُمَّتِهِ الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهْمُ أَحْيَاءٌ لِيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ وَلَيَتَّبِعُنَّهُ» . يُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ بَشَّرُوا وَأَمَرُوا بِاتِّبَاعِهِ.
وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا دَعَا بِهِ لِأَهْلِ مكة: (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ) 2: 129 الآية.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا لُقْمَانُ بْنُ عَامِرٍ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ؟ قَالَ: «دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ» وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ مِثْلَهُ. وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ بَدْءَ أَمْرِهِ بَيْنَ النَّاسِ وَاشْتِهَارَ ذِكْرِهِ وَانْتِشَارَهُ فَذَكَرَ دَعْوَةَ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْعَرَبُ، ثُمَّ بُشْرَى عِيسَى الَّذِي هُوَ خَاتَمُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَقَدَّمَ. يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ مَنْ بَيْنَهُمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَشَّرُوا بِهِ أَيْضًا.
أَمَّا فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَقَدْ كَانَ أَمْرُهُ مَشْهُورًا مَذْكُورًا مَعْلُومًا مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الْكَلْبِيِّ
__________
[1] من أول هنا ليس موجودا في المصرية الى قوله وأما الكهان من صفحة 307.
الصفحة 306