كتاب إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (اسم الجزء: 2)

وبيان ذلك أن يقال لهاتين الأمتين:
أنتم لم تشاهدوا هذين الرسولين، ولا شاهدتم آياتهما وبراهين نبوتهما. فكيف يسع العاقل أن يكذب نبيا ذا دعوة سابقة، وكلمة قائمة، وآيات باهرة، وتصديق من ليس مثله ولا قريبا منه فى ذلك؟ لأنه لم ير أحد النبيين، ولا شاهد معجزاته. فإذا كذب بنبوة أحدهما لزمه التكذيب بنبوتهما. وإن صدق بأحدهما لزمه التصديق بنبوتهما فمن كفر بنبى واحد فقد كفر بالأنبياء كلهم، ولم ينفعه إيمانه به.
قال الله تعالى: {إِنَّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِه وَيُرِيدُونَ أَنْ يفُرِّقوا بْينَ اللهِ ورُسُلِه وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ ببِعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضِ وَيُرِيدُونَ أنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاَ أُولئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، حَقا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً * وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللهُ غفُوراً رَحِيماً} [النساء: 150 - 152] ، وقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمنُونَ كُل آمَنَ بِاللهَ مَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِه} [البقرة: 285] .
فنقول للمغضوب عليه: هل رأيت موسى وعاينت معجزاته؟ فبالضرورة يقول: لا.
فنقول له: بأى شيء عرفت نبوته وصدقه؟ فله جوابان.
أحدهما: أن يقول: أبى عرفنى ذلك، وأخبرنى به.

الصفحة 348