كتاب إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (اسم الجزء: 2)

خبر التواتر فى ذلك وترده، فيلزمك أن لا تقبله فى أمر موسى عليه السلام.
ومن المعلوم بالضرورة: أن من أثبت شيئا ونفى نظيره فقد تناقض.
وإذا اشتهر النبى فى عصر وصحت نبوته فى ذلك العصر بالآيات التى ظهرت عليه لأهل عصره، ووصل خبره إلى أهل عصر آخر، وجب عليهم تصديقه والإيمان به. وموسى ومحمد والمسيح فى هذا سواء ولعل تواتر الشهادات بنبوة موسى أضعف من تواتر الشهادات بنبوة عيسى ومحمد، لأن الأمة الغضبية قد مزقها الله تعالى كل ممزق، وقطعها فى الأرض، وسلبها ملكها وعزها، فلا عيش لها إلا تحت قهر سواهم من الأمم لها، بخلاف أمة عيسى عليه السلام، فإنها قد انتشرت فى الأرض، وفيهم الملوك، ولهم الممالك.
وأما الحنفاء، فممالكهم قد طبقت مشارق الأرض ومغاربها، وملأوا الدنيا سهلا وجبلا فكيف يكون نقلهم لما نقلوه كذبا، ونقل الأمة الغضبية الخاملة القليلة الزائلة صدقا؟.
فثبت أنه لا يمكن يهوديا على وجه الأرض أن يصدق بنبوة موسى عليه السلام إلا بتصديقه وإقراره بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ولا يمكن نصرانيا البتة الإيمان بالمسيح عليه السلام إلا بعد الإيمان بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم.
ولا ينفع هاتين الأمتين شهادة المسلمين بنبوة موسى والمسيح. لأنهم آمنوا بهما على يد محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان إيمانهم بهما من الإيمان بمحمد، وبما جاء له. فلولاه ما عرفنا نبوتهما، ولا أمنا بهما.
ولا سيما فإن أمة الغضب والضلال ليس بأيديهم عن أنبيائهم ما يوجب الإيمان بهم فلولا القرآن ومحمد صلى الله تعالى عليه وسلم ما عرفنا شيئا من آيات الأنبياء المتقدمين.
فمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم وكتابه هو الذى قرر نبوة موسى ونبوة المسيح، لا اليهود ولا النصارى.
بل كان نفس ظهوره ومجيئه تصديقا لنبوتهما. فإنهما أخبرا بظهوره، وبشرا به قبل ظهوره. فلما بعث كان بعثه تصديقا لهما.
وهذا أحد المعنيين فى قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلَهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ؟ بَلْ جَاءَ بَالْحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلِينَ} [الصافات: 36- 37] .
أى مجيئه تصديق لهم من جهتين. من

الصفحة 350