كتاب إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (اسم الجزء: 2)

جهة إخبارهم بمجيئه ومبعثه، ومن جهة إخباره بمثل ما أخبروا به، ومطابقة ما جاءوا به لما جاءوا به. فإن الرسول الأول إذا أتى بأمر لا يعلم إلا بالوحى، ثم جاء نبى آخر لم يقارنه فى الزمان ولا فى المكان، ولا تلقى عنه ما جاء به، وأخبر بمثل ما أخبر به سواء، دل ذلك على صدق الرسولين الأول والآخر. وكان ذلك بمنزلة رجلين أخبر أحدهما بخبر عن عيان، ثم جاء آخر من غير بلده وناحيته، بحيث يعلم أنه لم يجتمع به، ولا تلقى عنه، ولا عمن تلقى عنه فأخبر بمثل ما أخبر به الأول سواء. فإنه يضطر السامع إلى تصديق الأول والثانى.
والمعنى الثانى: أنه لم يأت مكذبا لمن قبله من الأنبياء، مزريا عليهم، كما يفعل الملوك المتغلبون على الناس بمن تقدمهم من الملوك بل جاء مصدقا لهم، شاهدا بنبوتهم. ولو كان كاذبا متقولا منشئا من عنده سياسة، لم يصدق من قبله، بل كان يزرى بهم، ويطعن عليهم، كما يفعل أعداء الأنبياء.
فصل
وقد اختلف أقوال الناس فى التوراة التى بأيديهم: هل هى مبدلة، أم التبديل والتحريف وقع فى التأويل دون التنزيل؟ على ثلاثة أقوال طرفين، ووسط.
فأفرطت طائفة وزعمت أنها كلها أو أكثرها مبدلة مغيرة. ليست التوراة التى أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام، وتعرض هؤلاء لتناقضها وتكذيب بعضها لبعض:
وغلا بعضهم. فجوز الاستجمار بها من البول.
وقابلهم طائفة أخرى من أئمة الحديث والفقه والكلام، فقالوا: بل التبديل وقع فى التأويل، لا فى التنزيل.

الصفحة 351