كتاب إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (اسم الجزء: 2)

فصل
ولا يستبعد اصطلاح كافة هذه الأمة على المحال، واتفاقهم على أنواع الضلال.
فإن الدولة إذا انقرضت عن أمة باستيلاء غيرها عليها وأخذها، انطمست معالم دينها واندرست آثارها.
فإن الدولة إنما يكون زوالها بتتابع الغارات والمصافات، وإخراب البلاد وإحراقها، لا تزال هذه الأمور متواترة عليها إلى أن يعود علمها جهلا، وعزها ذلا، وكثرتها قلة.
وكلما كانت الأمة أقدم، واختلفت عليها الدول المتناولة لها بالذل والصغار، كان حظها من اندراس معالم دينها وآثارها أوفر.
وهذه الأمة أوفر الأمم حظا من هذا الأمر، لأنها من أقدم الأمم، ولكثرة الأمم التى استولت عليها: من الكلدانيين، والبانليين، والفرس، واليونان، والنصارى وآخر ذلك المسلمون.
وما من هذه الأمم إلا من طلب استئصالهم، وبالغ فى إحراق بلادهم وكتبهم، وقطع آثارهم إلا المسلمين، فإنهم أعدل الأمم فيهم، وفى غيرهم، حفظا لوصية الله تعالى بهم حيث قال:
{يَأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بَما تَعْملُونَ خَبِيراً} [النساء: 135] ويقول: {يَأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] .
وصادف الإسلام هذه الأمة تحت ذمة الفرس، وذمة النصارى، بحيث لم يبق لهم مدينه ولا جيش.
وأعز ما صادفه الإسلام من هذه الأمة يهود خيبر والمدينة وما جاورها.

الصفحة 365