كتاب شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

ثم يتجلّى, حتى إذا فرغَ اللهُ مِنَ القضاءِ بينَ العِبادِ, وأرادَ أنْ يُخْرِجَ برحمتِهِ مَنْ أرادَ مَنْ أهل النارِ, أمرَ الملائكةَ أنْ يُخرجوا مِنَ النارِ مَنْ كان لا يُشركُ بالله شيئاً, ممن أرادَ اللهُ أنْ يرحمَهُ, ممن يشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ, فيعرفونهم في النارِ بأثرِ السجودِ, تأكلُ النارُ ابنَ آدمَ إلا أثَرَ السجودِ, حَرَّم اللهُ على النارِ أن تأكلَ أثرَ السجودِ, فيخرجونَ من النارِ قد امْتُحِشُوا, فَيُصَبُّ عليهم ماءُ الحياةِ, فينبتونَ تحتَهُ, كما تنبتُ الحبةُ في حميلِ السيلِ, ثم يَفْرُغُ اللهُ مِنَ القضاءِ بينَ العبادِ, ويبقى رَجُلٌ مقبلٌ بوجههِ على النارِ, هو آخرُ أهلِ النارِ دُخُولاً الجنةَ.
فيقولُ: أيُ ربِّ, اصْرِفْ وَجْهي عَنِ النارِ, قَدْ قَشَبَني ريحُها, وأحْرَقنيِ ذكاؤُها, فيدعو الله بما شاءَ أنْ يدعُوه, ثم يقول اللهُ: هل عَسَيْتَ إن أعْطَيْتُكَ ذلك أن تَسْألني غيرَه.
فيقولُ: لا وعِزَّتِكَ لا أسألكَ غيرَه, ويعطي رَبَّهُ منْ عهودِ ومواثيقَ ما شاءَ, فيصرف وجهَهُ عن النارِ, فإذا أقبلَ على الجنةِ ورآها سكتَ ما شاءَ اللهُ أنْ يسكتَ, ثم يقولُ: أيْ رَبِّ, قدِّمني إلى بابِ الجنةِ, فيقولُ اللهُ: ألستَ قد أعطيتَ عهودَك ومواثيقَكَ أنْ لا تسألَني غيرَ الذي أُعطِيتَ أبداً؟ ويلكَ يا ابن آدمَ, ما أغْدَرَكَ.
فيقول: أيْ رَبِّ, ويدعو الله, حتى يقولَ: هل عسيتَ إنْ أُعطيتَ ذلك أن تسألَ غيرَهُ؟
فيقول: لا وعزتكَ, لا أسألكُ غيرَهُ, ويُعطي ما شاءَ مِنْ عهودٍ ومواثيقَ, فيقدَّمه إلى بابِ الجنةِ.
فإذا قامَ إلى بابِ الجنةِ انْفَهَقَتْ له الجنةُ, فرأى ما فيها من الحَبْرَةِ,

الصفحة 17