كتاب شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

لأنه تعالى لم يظهر لهم بأوصافه التي يعرفونه بها, وقد جاء في رواية أبي سعيد الآتية: ((فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة)) ولهذا قالوا: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا, فإذا جاء ربنا عرفناه)) .
قوله: ((فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون, فيقول: أنا ربكم, فيقولون: أنت ربنا, فيتبعونه)) وهذه الجملة أيضاً هي المرادة من سياق الحديث في الباب؛ لأن فيها دلالة واضحة على رؤية المؤمنين ربهم في ذلك الموقف, وسيأتي بحث ذلك والرد على شبه النفاة, إن شاء الله تعالى.
وفي هذه الجملة من الحديث, والتي قبلها, كثر اضطراب شراح الحديث, وتخبطوا كثيراً؛ لأنهم على عقيدة الأشاعرة, وسأذكر بعض أقوالهم في ذلك؛ للعبرة, ثم أذكر ما يبين بطلانها, مستعيناً بالله تعالى.
ثم إنه يجب على كل مسلم أن يعلم بأن الله تعالى – قد أكمل لهذه الأمة دينها, وبينه بياناً لا يحتاج معه إلى استدراك أحد من الناس, وسيأتي دليل ذلك, ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد أقام الحجة وأوضح المحجة, فيجب على المسلم أن يؤمن بأنه أكمل الخلق هداية, وأنه بلغ عن الله ما أمره الله بتبليغه, وأنه أفصح الناس, وأقدرهم على بيان مراده, وأنه أنصح الخلق لأمته وأحرصهم على هدايتهم, وهو أعظم الناس خوفاً من الله, وتعظيماً له, وهو أعلم الناس بالله, وبما يجب له - تعالى - وما يمتنع عليه.
فلابد أن يبين لأمته ما يجب عليهم أن يعتقدوه في ربهم, بياناً لا لبس فيه, ولا غموض, فلا يحتاجون معه إلى بيان غيره, وإلا لا يكون بلغ البلاغ المبين, قال الله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (¬1) , وقد سأل الناس: هل بلغ رسالة
¬_________
(¬1) الآية 67 من سورة المائدة.

الصفحة 23