كتاب الكامل في اللغة والأدب (اسم الجزء: 2)

لم ترد استوى الماء واستوت الخشبة؛ ولو أردت ذلك يم يكن إلا الرفع، ولكن التقدير: ساوى الماءُ الخشبة، وكذلك "ما زلت أسير والنيلَ" يا فتى؛ لأنك لست تخبر عن النيل بسير، وإنما تريدُ أن سيرك بحذائه ومعه، فوصل الفعلُ. وهذا بابٌ يطولُ شرحه. فإن قلتَ: "عبد الله وزيدٌ أخواك" وأنت تريد بالواو معنى مع، لم يكن إلا الرفعُ، لن قبلها اسماً مبتدأ، فهي على موضعِهِ.
وأجود التفسير عندنا في قوله الله جلَّ وعزَّ: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} 1 أن تكون الواو في معنى مع، لأنك تقولُ: أجمعت رأيي وأمري، وجمعتُ القومَ، فهذا هو الوجهُ. وقومٌ ينصبونه على دخوله بالشركة مع اللام في معنى الأول، والمعنى الاستعدادُ بهما، فيجعلونه كقولِ القائلِ:
يا ليت زوجكِ قد غدا ... متقلداً سيفاً ورمحا
والرمح لا يتقلد، ولكن أدخل مع ما يتقلد، فتقديره: "متقلداً سيفاً وحاملاً رمحاً"، ويكون تقدير الآية: فأجمعوا أمركم وأعدوا شركاءكم. والمعنى يؤول إلى أمر واحدٍ. ومن ذلك قوله:
شراب ألباٍ وتمرٍ وأقطْ
فأما ما جاء من القرآن على هذا خاصة؛ فقوله جل وعزَّ {َوَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} 2 فأدخل من ههنا، لأن الناس مع هذه الأشياء، فجرت على لفظٍ واحدٍ، ولا تكون من إلا لمن يعقل إذا أفردتها.
__________
1 سورة يونس 71.
2 سورة النور 45.
لرجل يشكو إلى عمر بن عبد العزيز
وقال رجلٌ لعمر بن عبد العزيز يشكو إليه عمالهُ:
إن الذين أمرتهم أن يعدلوا ... نبذوا كتابكَ واستحل المحرمُ
واردت أن يلي الأمانة منهمُ ... بر وهيهات الأبرُّ المسلمُ
طلسُ الثياب على منابرِ أرضنا ... كل بنقصِ نصيبنا يتكلمُ
أنشدنيه الرياشي على الأصمعي.
ونظير هذا قول ابن همام السلولي:
إذا نصبوا للقول قالوا فإحسنوا ... ولكن حسن القول خالفه الفعلُ
ودموا لنا الدنيا وهم يرضعونها ... إفاويق حتى ما يدر لها ثعلُ
وقد مر تفسير هذا الشعر. والأطلسُ: الأغبرُ، وربما اشتدت غبرته حتى يخفى في الغبار، وإنما أراد بقوله: طلسُ الثياب أنهم يظهرون تقشفا، ويكون أن يكون جعلهم بمنزلة الذئاب، وهو أحسن.

الصفحة 204