كتاب الكامل في اللغة والأدب (اسم الجزء: 2)

يقال فيه قولان: أحدهما: فروى الغيم ودقه هذا القبرَ، يريدُ: من ودقه، فلما حذف حرف الجر عملَ الفعل والآخر كقولك: "رويت زيداً ماءً"، وروى أكثرُ من أروى، لأن روى لا يكون إلا مرةً بعد مرةٍ، يقول: فروى الله ودقه أي جعله رواءٌ، فأضمر لعلم المخاطبِ، لأن قوله: لاح سحابٌ، إنما معناه: ألاحه الله، فالفاعل كالمذكور، لأن المعنى عليه، ونظيره قوله جل وعزَّ: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} 1 وكذلك {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} 2ولم يذكر الأرض. وقال قومٌ: ودقه، يريد ودقةً واحدةً، وهذا رديء في المعنى، ليس بمبالغٍ.
__________
1 سورة ص32.
2 سورة فاطر 45.
لإسحاق بن إبراهيم الموصلي
قال ابن الموصلي:
لعمري لئن حلئت عن منهلِ الصبا ... لقد كنتُ وراداً لمنهله العذبِ
ليالي أمشي بين برديَّ لاهيا ... أميس كغصنِ البانةِ الناعمِ الرطبِ
سلامٌ على سير القلاص مع الركب ... ووصل الغواني والمدامةِ والشربِ
سلام امرىءٍ لم تبق منه بقيةٌ ... سوى نظرِ العينين أو شهوة القلبِ
قوله: والشرب؛ يريد جمع شاربٍ، يقال: شاربُ وشربٌ، وراكبٌ وركبٌ، وتاجرٌ وتجرٌ، وزائرٌ وزورٌ، قال الطرماحُ:
حب بالزور الذي لا يرى ... منه إلا صفحةٌ عن لِمامِ
وهذا بابٌ متصل كثيرٌ، قال العجاجُ:
بواسطٍ أكرمُ دارٍ دارا ... واللهُ سمى نصرك الأنصارا
يريد أنصارك، فأخرجه على ناصرٍ ونصرٍ.
وقوله: "سلام امرىء" على البدلِ من قوله: "سلامٌ على سيرِ القلاص" وإن شئت نصبت بفعلٍ مضمرٍ، كأنك قلت: اسلمُ سلامَ امرىءٍ، لأنك ذكرت سلاماً

الصفحة 209