كتاب الكامل في اللغة والأدب (اسم الجزء: 2)

وقد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لقد هممت ألا أقبل هدية" ويروى: "أن لا أتهب هبةً إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي". وروى بعضهم: أو دوسي وذلك أن أعرابياً أهدى إليه هدية فمن بها، فذكر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الأمصار تفضيلاً على أهل البوادي.
لعبد الله بن محمد بن أبي عيينه
وقال عبد الله بن محمد بن أبي عيينه يعاتب رجلاً من الأشراف:
أتيتك زائراً لقضاء حق ... فحال الستر دونك والحجاب
وعندك معشر فيهم أخ لي ... كأن إخاءه الآل السراب
ولست بساقط في قدر قوم ... وإن كرهوا كما يقع الذباب
ورائي مذهب عن كل ناء ... بجانبه إذا عز الذهاب
وقال أيضاً:
كنا ملوكاً إذا كان أولنا ... للجود والبأس والعلا خلقوا
كانوا جبالاً عزا يلاذ بها ... ورائحاتٍ بالوبل تنبعق1
كانوا بهم ترسل السماء على الـ ... أرض غياثاً ويشرق الأفق
لا يرتق الراتقون إن فتقوا ... فتقاً ولا يفتقون مارتقوا
ليسوا كمعزى مطيرةٍ بقيت ... فما بها من سحابةٍ لثق2
والضعف والجبن عند نائبةٍ ... تنوبهم والحذار والفرق
لهذا زمانٌ بالناس منقلبٌ ... ظهراً لبطنٍ جديده خلق
الأسد فيه على براثنها ... مستأخراتٌ تكاد تمزق
وكان سبب قوله هذا الشعر أن إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس كان له صديقاً، وكان عبد الله بن محمد بن أبي عيينه من رؤساء من اخذ البصرة للمأمون في أيام المخلوع، وكان معاضداً لطاهر بن الحسين في حروبه، وكان إسماعيل بن جعفر جليل القدر، مطاعاً في مواليه وأهله،
__________
1 الرائحات: السحب، وتنبعق: تتخرق فينزل منها الماء.
2 اللثق: البلل.

الصفحة 21