كتاب الكامل في اللغة والأدب (اسم الجزء: 2)

وحدثني أحد أصحابنا أن رجلاً من الأعراب تقدم إلى سوّار في أمر فلم يصادف عنده ما يحبّ، فاجتهد فلم يظفر بحاجته، قال: فقال الأعرابي، وكانت في يده عصاً:
رأيت رؤيا ثمّ عبّرتها ... وكنت للأحلام عبّارا
بأنّني أخيط في ليلتي ... كلباً فكان الكلب سوّار
ثم انحنى على سوّار بالعصا فضربه حتى منع منه، قال: فما عاقبه سوّار بشيء.
قال: وحدّثت أن أعرابياً من بني العنبر سار إلى سوّار فقال: عن أبي مات وتركني وأخاً لي- خطين في الأرض- ثم قال: وهجينا- وخط خطّا ناحية- فكيف نقسم المال? فقال: أههنا وراثٌ غيركم? قال: لا، قال: المال بينكم أثلاثاً، فقال: لا أحسبك فهمت عني! إنه تركني وأخي وهجيناً لنا، فقال سوّار: المال بينكم اثلاثاً، قال: فقال الأعرابي: أيأخذ الهجين كما آخذ، وكما يأخذ أخي! قال: أجل! فغضب الأعرابي، قال: صم أقبل على سوّار فقال: تعلم والله إنك قليل الخالات بالدّهناء، فقال سوّار: إذا لا يضيرني ذلك عند الله شيئاً1.
__________
1 زيادات ر: "قيل إنه ليس بالدهناء أمة، وإنما كان فيها الحرائر".
أنفة عقيل بن علفة
وكان عقيل بن علّفة من المغيرة والأنفة على ما ليس عليه أحدٌ علمناه، فخطب إليه عبد الملك بن مروان ابنته على أحد بنيه، وكانت لعقيل إليه حاجات فقال: أما إذ كنت فاعلاً فجنّبني هجاءك. وخطب إليه ابنته إبراهيم بن هشام بن اسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة-وهو خال هشام بن عبد الملك ووالي المدينة، وكان أبيض شديد البياض- فردّه عقيلّ وقال:
رددت صحيفة القرشيّ لما ... أبت أعراقه إلاّ احمرارا
وكانت حفصة بنت عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله قد ميت عنها، فخطبها جماعة من قريش، أحدهم عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، وأحدهم إبراهيم بن هشام، فكان أخوها محمد بن عمران، إذا دخل إلى إبراهيم بن هشام أوسع له وأنشده:
وقالوا يا جميل أتى أخوها ... فقلت أتى الحبيب أخو الحبيب
أحبك أن نزلت جبال حسمى ... وأن ناسبت بثينة من قريب
وهذا الشعر لجميل بن عبد الله بن معمر الذري، فأما جميل بن معمرٍ الجمحيّ فلا نسب بينه وبين معمر، أي ليس بينه وبين أبٌ آخر، وكانت له صحبةٌ، وكان خالصاٌ بعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

الصفحة 38