كتاب الكامل في اللغة والأدب (اسم الجزء: 2)

وكان لقيط بن زرارة قتل يوم جبلة، وأسر حاجب فنودي، فزعم أبو عبيدة أنه لم يكن عكاظيٌّ أغلى فداء من حاجب، وكان أسره زهدمٌ1 العبسيّ، فلحقه ذو الرقيبة القشريّ، وبنو عبس يومئذ نازلةٌ في بني عامر بن صعصعة، فأخذه ذو الرقيبة بعزّة، وأنه في محل قومه فقال حاجب: لمّا تنازعني الرجلان خفت أن أقتل بينهما، فقلت: حكماني في نفسي، ففعلا فحكمت بسلاحي وركابي لزهدم، وبنفسي لذي الرقيبة، وكان حاجب يكنى أبا عكرشة، وكان أحلم قومه، وفي ذي الرقيبة يقول الشاعر2:
ولقد رأيت القائلين وفعلهم ... فلدي الرقيبة مالكٍ فضل
كفّاه متلفةٌ ومخلفةٌ ... وعطاؤه متدفّقٌ جزل
ففدي حاجبٌ، وقتل في ذلك اليوم لقيطٌ، واسر عمرو بن عمرو بن عدس فلذلك يقول جرير يعير الفرزدق، لن الفرزدق من بني مجاشع بن دارم، وقد مضى ذكر هذا في الكتاب، ولجرير في قيسٍ خؤولة.
__________
1 زيادات ر: "أخو كردم".
2 زيادات ر: "هو المسيب بن علس"، واسمه "زهير، ويكنى أبا الفضة".
للفرزدق يهجو جريراً وجواب جرير عليه
فلما هجا الفرزدق قيساً في أمر قتيبة بن مسلم الباهلي، قال:
أتاني وأهلي بالمدينة وقعةٌ ... لآل تميم أقعدت كلّ قائم
كأن رؤوس النّاس إذا سمعوا بها ... مشدّخةٌ هاماتها بالأمائم1
وما بين من لم يعط سمعاً وطاعةً ... وبين تميم غير حرّ الحلاقم
أتغضب عن أذنا قتيبة حزّنا ... جهاراً ولم تغضب لقتل ابن خازم
وما منهما غلا نقلنا دماغه ... إلى الشّام فوق الشّاحجات الرّواسم
تذبذب في المخلاة تحت بطونها ... محذّفة الأذناب جلح المقادم2
وما أنت من قيس فتنبح دونها ... ولا من تميم في الرؤوس الأعاظم
تخوّفنا أيام قيسٍ ولم تدع ... لعيلان أنفا مستقيم الخياشم
لقد شهدت قيسٌ فما كان نصرها ... قتيبة إلاّ عضّها بالأباهم3
__________
1 الأمائم كما في زيادات ر: "حجارة تشدخ بها الرءوس، الواحدة أميمة".
2 المخلاة في الأصل: ما يوضع فيها الخلى، وهو الحشيش الرطب، أراد بهن الخرج.
3 الأباهم: جمع الإبهام.

الصفحة 59