كتاب الكامل في اللغة والأدب (اسم الجزء: 2)

من العرب، قال: فكتب معي رقعةً، وقال لي: إذا أديت جواب ما جئت له فأدّ هذه الرقعة إلى صاحبك، قال: فلمّا رجعت إلى عبد الملك فأعطيته جواب كتابه وخبّرته بما دار بيننا نهضت، ثم ذكرت الرقعة، فرجعت فدفعتها إليه، فلمّا ولّيت دعاني، فقال لي: أتدري ما في هذه الرقعة? فلت: لا، قال: فيها: "العجب لقوم فيهم مثل هذا كيف ولّوا أمورهم غيره". قال: فلمّا ولّيت دعاني، فقال لي: أفتدري ما أراد بهذا، قلت: لا، قال: حسدني عليك، فأراد أن أقتلك، قال: فقلت: إنما كثرت عنده يا أمير المؤمنين لأنه لم يترك، قال: فرجع عن كلام إلى ملك الروم، فقال: لله أبوه! ما عدا ما في نفسي!
معاوية وأحد بطارقة الروم
وحثت أن معاوية، كان إذا أتاه عن بطريق من بطارقة الروم كيدٌ للإسلام احتال له، فأهدى إليه وكاتبه، حتى يعزي به ملك الروم، فكانت رسله تأتيه فتخيره بأن هناك بطريقاً يؤذي الرّسل، ويطعن عليهم، ويسيء عشرتهم، فقال معاوية: أيّ ما في عمل الإسلام أحب إليه? فقيل له: الخفاف الحمر، ودهن البان. فألطفه بهما، حتى عرفت رسله باعتياده، ثم كتب كتاباً إليه، كأنه جواب كتابه منه، يعلمه فيه أنه وثق بما وعده به من نصره وخذلان ملك الروم. وأمر الرّسول بأن يتعرّض لأن يظهر على الكتاب، فمّا ذهبت رسله في أوقاتها ثم رجعت إليه، قال: ما حدث هناك? قالوا: فلانٌ البطريق رأيناه مقتولاً مصلوباً، فقال: وأنا أبو عبد الرحمن1!
__________
1 قال المرصفى: "يريد أغريت بما صنعت له ملك الروم حتى قتله وصلبه وأنا المعروف بالكيد والدهاء، وعبد الرحمن ولده من فاختة بنت قرظة".
رسول ملك الروم عند معاوية
وحدّثت أن ملك الرّوم في ذلك الأوان وجّه إلى معاوية: "إن الملوك قبلك كانت ترسل الملوك منّا، ويجتهد بعضهم في أن يغرب على بعض، أفتأذن في ذلك"? فأذن له، فوجّه إليه برجلين: أحدهما طويلٌ جسيمٌ، والآخر أيدٌ، فقال معاوية لعمرو1: أما الطويل فقد أصبنا كفأه وهو قيس بن سعد بن عبادة وأما
__________
1 يريد عمرو بن العاص.

الصفحة 85