كتاب التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة ت الفريح (اسم الجزء: 2)

وجه الرواية الأولة: أنا قد بيّنّا - فيما تقدم -: أن موت هذه الأشياء في الماء لا يفسده (¬1)، فلو كان دمها نجسًا، لأفسده؛ كالشاة إذا ماتت في الماء، ولأنه دم غير سائل، فكان طاهرًا، دليله: الكبد، والطحال، ولا يلزمه عليه الدمُ الذي يخرج (¬2) على رأس الجرح، ولا يسيل: أنه نجس؛ لأنا نريد بقولنا: غير سائل: أنه مع وجود السبب الموجب لسيلانه لا يسيل، وهو قتل هذا الحيوان.
واحتج المخالف بعموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3].
والجواب: أن المراد به: الدمُ السائل؛ بدليل قوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145]، فحرم منها ما كان مسفوحًا، ودم البق، والبراغيث غيرُ مسفوح؛ ولأن التحريم ورد على الوجه الذي كانوا يستبيحونه، وهم كانوا يفصدون البهيمة، ويشربون دمها، ولا يتكلفون ليسير (¬3) دم البق والبراغيث، فالتحريم ورد على ما كانوا عليه.
¬__________
(¬1) نسب ابن المنذر - رحمه الله - هذا القول إلى عوام أهل العلم. وقال أبو الخطاب - رحمه الله -: (لأن المسألة إجماع، فإن من لدن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإلى وقت الشافعي يقع الذباب والبق في الماء ... ولم ينقل عن أحد منهم أنه أراق ذلك، ورآه نجسًا). ينظر: الأوسط (1/ 282)، والانتصار (1/ 492)، والمغني (1/ 60)، والإقناع في مسائل الإجماع (1/ 76).
(¬2) في هامش المخطوط مكتوب: يظهر، والمثبت هو المكتوب في الأصل.
(¬3) في الأصل: يسيل.

الصفحة 10