كتاب التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة ت الفريح (اسم الجزء: 2)

النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بنا وهو على المنبر، فركع، ورجع القهقرى حتى نزل وسجد، ثم رقى، فلما فرغ قال: "إنما فعلتُ ذلك لتأتموا بي، ولتعلّموا (¬1) صلاتي" (¬2)، قال الشافعي: إنما نزل، لأنه لم يتمكن من السجود على المنبر، لتضايقه (¬3).
والجواب: أن هذا الخبر أفادنا الجواز، والكراهية استفدناها بما روينا؛ كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخّر المغرب اليوم الثاني حين بَيَّنَ المواقيت (¬4)، فأفاد بذلك الجواز، وإن كان مَنْ أخرها إلى ذلك الوقت كان مؤدِّيًا لها في وقتها، واستفدنا كراهيةَ التأخير إلى ذلك الوقت بدلالة أخرى.
فإن قيل: في الخبر ما يمنع من هذا، وهو قوله - عليه السلام -: "إنما فعلتُ ذلك، لتأتموا بي، ولتعلموا (1) صلاتي"، فامتنع أن يكون القصد به الجواز.
قيل له: فالخبر أفاد الجواز في حق من أراد أن يعلِّم مَنْ خلفه، وأن ذلك جائز، واستفدنا جواز ذلك في حق من لم يرد التعليم من موضع آخر.
¬__________
(¬1) في الأصل: تعلموا، والتصويب من الصحيحين.
(¬2) أخرجه البخاري في كتاب: الجمعة، باب: الخطبة على المنبر، رقم (917)، ومسلم في كتاب: المساجد، باب: جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، رقم (544).
(¬3) ينظر: الأم (2/ 343).
(¬4) أخرجه مسلم في كتاب: المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس، رقم (614).

الصفحة 431