كتاب مغني المحتاج - الفكر (اسم الجزء: 2)

تنبيه قد جرت عادة المصنف رحمه الله تعالى أن يذكر أولا محل الاتفاق ثم يذكر المختلف فيه فإمكان تسليمه يصح بالاتفاق وإمكان تسلمه يصح على الصحيح فإذن لا اعتراض لكن كان الأولى أن يعبر بالقدرة بدل الإمكان كما عبر بها في المجموع إذ لا يلزم من ثبوت إمكانه ونفي الاستحالة عند القدرة عليه
ويستثنى من ذلك ما لو باع بنقد يعز وجوده فإنه يصح بناء على جواز الاستبدال عن الثمن وهو الأصح ثم عند التسليم إن وجد فذاك وإلا فيستبدل
وإذا علم اعتبار قدرة التسليم ( فلا يصح بيع ) ما يتعذر تسليمه كالطير في الهواء وإن تعود العود إلى محله لما فيه من الغرر ولأنه لا يوثق به لعدم عقله وبهذا فارق صحة بيع العبد المرسل في حاجة
نعم يصح بيع النحل الموثقة أمه وهي يعسوبه وهو أميره بأن يكون في الكوارة وهي بضم الكاف وفتحها مع تشديد الواو فيهما ومع تخفيفها في الأولى الخلية وهي بيت يعمل للنحل من عيدان كما قاله في المحكم وقال في الصحاح هو العسل في شمعه ولا معنى له هنا وحكي أيضا كسر الكاف مع تخفيف الواو
وفارق بقية الطيور بأنه لا يقصد بالجوارح وبأنه لا يأكل عادة إلا مما يرعاه فلو توقف صحة بيعه على حبسه لربما أضر به
أو تعذر بيعه بخلاف بقية الطيور والناد ( والضال ) والرقيق المنقطع خبره ( والآبق والمغصوب ) من غير غاصبه للعجز عن تسليم ذلك حالا
فائدة الضال لا يقع إلا على الحيوان إنسانا كان وغيره وأما الآبق فقال الثعالبي لا يقال للعبد آبق إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد في العمل وإلا فهو هارب
قال الأذرعي لكن الفقهاء يطلقونه عليهما
( فإن باعه ) أي المغصوب ( لقادر على انتزاعه ) دونه أو الآبق لقادر على رده دونه ( صح على الصحيح ) نظرا إلى وصوله إليهما إلا إن احتاجت قدرته إلى مؤنة فالظاهر البطلان كما قاله في المطلب
والثاني لا يصح لأن التسليم واجب على البائع وهو عاجز عنه أما إذا كان البائع قادرا على انتزاعه أو رده فإنه يصح بلا خلاف كما علم مما مر
قال في المطلب إلا إذا كان فيه تعب شديد فينبغي أن يأتي فيه ما في بيع السمك في البركة أي وشق تحصيله فيها والأصح عدم الصحة
فإن قيل منع بيع الضال والآبق والمغصوب مشكل لأن إعتاقهم جائز وقد صرحوا بأن العبد إذا لم يكن في شرائه منفعة إلا حصول الثواب بالعتق كالعبد الزمن صح بيعه وإعتاق المبيع قبل قبضه صحيح ويكون قبضا فلم لا يصح بيع هؤلاء إذا كانوا زمناء بل مطلقا لوجود منفعة من المنافع التي يصح لها الشراء
أجيب بأن الزمن ليس فيه منفعة قد حيل بين المشتري وبينها بخلاف المغصوب ونحوه وقضيته أنه إذا لم يكن لهم منفعة سوى العتق يصح بيعهم والظاهر أنه لا يصح مطلقا
وقول الكافي يصح بيع العبد التائه لأنه يمكن الانتفاع بإعتاقه في التقرب إلى الله تعالى بخلاف الحمار التائه ممنوع
ولا يصح بيع سمك في ماء ولو في بركة إن شق تحصيله منها لعدم قدرته على تسليمه فإن سهل تحصيله ولم يمنع الماء رؤيته صح وبرج الطائر كالبركة للسمك
وتصح كتابة الآبق وكذا المغصوب إن تمكن من التصرف كما يصح تزويجهما وعتقهما وإن انتفت القدرة على التسليم
( ولا يصح بيع نصف ) مثلا ( معين من الإناء والسيف ونحوهما ) كثوب نفيس تنقص بقطعه قيمته للعجز عن تسليم ذلك شرعا لأن التسليم فيه لا يمكن إلا بالكسر أو القطع وفيه نقص وتضييع مال وهو حرام وفرقوا بينه وبين بيع ما قالوه من صحة بيع ذراع من أرض بأن التمييز فيها يحصل بنصب علامة بين الملكين بلا ضرر
فإن قيل قد تتضيق مرافق الأرض بالعلامة وتنقص القيمة فينبغي إلحاقها بالثوب
أجيب بأن النقص فيها يمكن تداركه بخلافه في الثوب
قال في المجموع وطريق من أراد شراء ذراع معين من ثوب نفيس أن يواطىء صاحبه على شرائه ثم يقطعه قبل الشراء ثم يشتريه فيصح بلا خلاف وظاهره أنه لا يحرم القطع ووجهه أنه حل لطريق البيع فاحتمل للحاجة ولا حاجة إلى تأخيره عن البيع
وأولى من ذلك كما قال الزركشي أن يشتريه مشاعا ثم يقطعه لأن بيع الجزء المشاع جائز مطلقا ويصير الجميع مشتركا
ولا يصح بيع جذع معين في بناء لأن الهدم يوجب النقص ولا بيع بعض معين من جدار إذا
____________________

الصفحة 13