كتاب مغني المحتاج - الفكر (اسم الجزء: 2)

عليه
(إلى معنى يقترن به) لا إلى ذاته لأن النهي ليس للبيع بخصوصه بل لأمر آخر
هذا هو القسم الثاني فجميع ما فيه من الصور يصح فيها البيع ويحرم إلا في الصورتين الأخيرتين آخر الفصل ولو قدمهما عليه كان أولى
ثم شرع في الصور التي لا يبطل البيع فيها وهي سبعة مبتدئا بواحدة منها فقال (كبيع حاضر لباد بأن يقدم) شخص (غريب) أو غيره (بمتاع تعم الحاجة) أي حاجة أهل البلد (إليه) كالطعام وإن لم يظهر بيعه سعة في البلد لقلته أو لعموم وجوده ورخص السعر أو لكبر البلد (ليبيعه بسعر يومه) أي حالا (فيقول) له شخص (بلدي) أو غيره (اتركه عندي) أو عند غيري (لأبيعه) لك (على التدريج) أي شيئا فشيئا (بأعلى) من بيعه حالا وذلك لخبر الصحيحين لا يبع حاضر لباد زاد مسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وقال ابن شهبة زاد مسلم دعوا الناس في غفلاتهم إلخ
والمعنى في التحريم التضييق على الناس فإن التمسه البادي منه بأن قال له ابتداء أتركه عندك لتبيعه بالتدريج أو انتفى عموم الحاجة إليه كأن لم يحتج إليه أصلا أو إلا نادرا أو عمت وقصد البدوي بيعه بالتدريج فسأله الحضري أن يفوضه إليه أو قصد بيعه بسعر يومه فقال له اتركه عندي لأبيعه كذلك لم يحرم لأنه لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك منه لما فيه من الإضرار به ولهذا اختص الإثم بالحضري كما نقله في زيادة الروضة عن القفال وأقره
فإن قيل الأصح أنه يحرم على المرأة تمكين المحرم من الوطء لأنه أعانه على معصية فينبغي أن يكون هذا مثله
أجيب بأن المعصية إنما هي في الإرشاد إلى التأخير فقط وقد انقضت لا الإرشاد مع البيع الذي هو الإيجاب للصادر منه
وأما البيع فلا تضييق فيه لا سيما إذا صمم المالك على ما أشار به حتى لو لم يباشره المشير عليه باشره غيره بخلاف تمكين المرأة الحلال المحرم من الوطء فإن المعصية بنفس الوطء
ولو استشاره البدوي فيما فيه حظه ففي وجوب إرشاده إلى الادخار والبيع بالتدريج وجهان أوجههما يجب إرشاده كما قال الأذرعي إنه الأشبه وكلام الروضة يميل إليه والثاني لا توسيعا على الناس
ولو قدم البادي يريد الشراء فتعرض له حاضر يريد أن يشتري له رخيصا وهو المسمى بالسمسار فهل يحرم عليه كما في البيع تردد فيه في المطلب وقال ابن يونس في شرح الوجيز هو حرام وينبغي كما قال الأذرعي الجزم به
والحاضر ساكن الحاضرة وهي المدن والقرى والريف وهي أرض فيها زرع وخصب والبادي ساكن البادية وهي خلاف الحاضرة
والتعبير بالحاضر والبادي جرى على الغالب والمراد أي شخص كان كما مرت الإشارة إليه
ثم شرع في الصورة الثانية فقال (وتلقي الركبان بأن يتلقى) شخص (طائفة يحملون متاعا) طعاما أو غيره (إلى البلد) مثلا (فيشتريه) منهم (قبل قدومهم) البلد (ومعرفتهم بالسعر) فيعصي بالشراء ويصح وإن لم يقصد التلقي وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لا تلقوا الركبان للبيع رواه الشيخان
والمعنى فيه احتمال غبنهم سواء أخبرهم المشتري كاذبا أم لم يخبر
(ولهم الخيار إذا) أغبنوا و (عرفوا الغبن) ولو قبل قدومهم لما رواه البخاري لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار وهو على الفور قياسا على خيار العيب فإن التمسوا البيع منه ولو مع جهلهم بالسعر أو لم يغبنوا كأن اشتراه منهم بسعر البلد أو بدونه وهم عالمون فلا خيار لهم لانتفاء المعنى السابق وكذا لا خيار لهم إذا كان التلقي بعد دخول البلد ولو خارج السوق لإمكان معرفتهم الأسعار من غير المتلقين وإن كان ظاهر الخبر يقتضي خلافه وبعضهم نسب لظاهر الحديث خلاف ذلك فاحذره
ولو لم يعرفوا الغبن حتى رخص السعر وعاد إلى ما باعوا به ففي ثبوت الخيار وجهان في البحر أوجههما عدم ثبوته كما في زوال عيب المبيع وإن قيل بالفرق بينهما وتلقي الركبان للبيع منهم كالتلقي للشراء في أحد وجهين رجحه الزركشي وهو المعتمد نظرا للمعنى وإن رجح الأذرعي مقابله وبعضهم نسب للأذرعي خلاف ذلك فاحذره
والركبان جمع راكب والتعبير به
____________________

الصفحة 36