كتاب مغني المحتاج - الفكر (اسم الجزء: 2)

الماوردي ليس التقدير بالكعبين في كل الأزمان والبلدان لأنه مقدر بالحاجة والحاجة تختلف وبه جزم المتولي وقال السبكي إنه قوي جدا
والحديث واقعة حال يحتمل أن التقدير فيها لما اقتضاه حالها ولولا هيبة الحديث وخوفي سرعة تأويله وحمله لكنت أختاره لكن أستخير الله فيه حتى ينشرح صدري ويقذف الله فيه نور المراد لنبيه صلى الله عليه وسلم اه
والمراد بالأعلى المحيى قبل الثاني وهكذا لا الأقرب إلى النهر
وعبروا بذلك جريا على الغالب من أن من أحيا بقعة يحرص على قربها من الماء ما أمكن لما فيه من سهولة السقي وخفة المؤنة وقرب عروق الغراس من الماء ومن هنا يقدم الأقرب إلى النهر إن أحيوا دفعة أو جهل السابق منهم وهو المعتمد وإن قال الأذرعي ولا يبعد الإقراع
وخرج بضاق ما إذا اتسع بأن كان يكفي جميعهم فيرسل كل منهم الماء في ساقيته إلى أرضه
( فإن كان في الأرض ) الواحدة ( ارتفاع ) لطرف منها ( وانخفاض ) لآخر منها ( أفرد كل طرف بسقي ) لأنهما لو سقيا معا لزاد الماء في المنخفضة على القدر المستحق وطريقه كما في الروضة أن يسقي المنخفض حتى يبلغ الكعبين ثم يسده ثم يسقي المرتفع
والظاهر كما قال السبكي أنه لا يتعين البداءة بالأسفل بل لو عكس جاز
ومرادهم أنه لا يزيد في المستغلة على الكعبين وصرح في الاستقصاء بالتخيير بين الأمرين وهو ظاهر
ولو احتاج الأعلى إلى السقي مرة أخرى قبل وصوله للأسفل قدم
ولو تنازع متحاذيان بأن تحاذت أرضهما أو أرادا شق النهر من موضعين متحاذيين تعينت القرعة إذ لا مزية لأحدهما على الآخر وهذا كما قال الأذرعي إذا أحيا دفعة أو جهل أسبقهما ولا ينافي هذا ما تقدم من أنه يقدم الأعلى فيما إذا أحيوا معا أو جهل الأسبق لأنه إنما قدم هناك لقربه من النهر ولا مزية هنا مع أنه قيل بالإقراع كما مر
ولو أراد شخص إحياء أرض موات وسقيها من هذا النهر فإن ضيق على السابق منع من الإحساء لأنهم استحقوا أرضهم بمرافقها والماء من أعظم مرافقها وإلا فلا منع وقضية ذلك أنه لا يتقيد المنع بكونه أقرب إلى رأس النهر وهو كذلك كما هو ظاهر كلام الروضة خلافا لابن المقري
تنبيه عمارة هذه الأنهار من بيت المال ولكل من الناس بناء قنطرة عليها يمرون عليها وبناء رحى عليها إن كانت الأنهار في موات أو في ملكه فإن كانت من العمران جاز مطلقا إن كان العمران واسعا وبإذن الإمام إن كان ضيقا ويجوز بناء الرحى أيضا إن لم يضر بالملاك وإلا فلا كإشراع الجناح في الشارع فيهما
( وما أخذ من هذا الماء ) المباح ( في بناء ) أو حوض مسدود المنافذ أو بركة أو حفرة في أرض أو نحو ذلك ( ملك على الصحيح ) كالإحتطاب والإحتشاش والإصطياد وحكى ابن المنذر فيه بالإجماع وقال ابن الصلاح في فتاويه الدولاب الذي يديره الماء إذا دخل إناء في كيزانه ملكه صاحب الدولاب كما بذلك لو استقاه بنفسه والثاني لا يملك الماء بحال بل يكون بحرزه أولى به من غيره
وعلى الأول لو رده إلى محله لم يصر شريكا به باتفاق الأصحاب
وهل يحرم عليه رده لأن فيه ضياع مال كما لو رمى في البحر فلسا فإنه يحرم عليه ظاهر كلامهم عدم الحرمة
وقد سئلت عن هذه المسألة قبل ذلك وما أجبت فيها بشيء وقد ظهر لي الآن عدم الحرمة لما قيل من أن الماء لا يملك بحال
وخرج بالإناء ونحوه الداخل في ملكه بسيل فإنه لا يملكه بدخوله في الأصح فلو أخذه غيره ملكه وإن كان دخوله في ملكه بغير إذنه حراما
ومن حفر نهرا ليدخل فيه الماء من الوادي فالماء باق على إباحته لكن مالك النهر أحق به ولغيره الشرب وسقي الدواب والاستعمال منه ولو بدلو لجريان العرف بذلك
( وحافر بئر بموات ) لا للتملك بل ( للارتفاق ) بها لنفسه مدة إقامته هناك كمن ينزل في الموات ويحفر للشرب وسقي الدواب
( أولى بمائها ) من غيره فيما يحتاج إليه كسقي ماشيته وزرعه ( حتى يرتحل ) لحديث من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به
أما ما فضل عن حاجته قبل ارتحاله فليس له منع ما فضل عنه لشرب أو ماشية وله منع غيره من سقي الزرع به فإذا ارتحل صار البئر كالمحفورة للمارة أو لا بقصد شيء فإن عاد فهو كغيره
قال الأذرعي هذا إذا ارتحل معرضا أما لو كان لحاجة عازما
____________________

الصفحة 374