كتاب مغني المحتاج - الفكر (اسم الجزء: 2)

الهبة وبالحياة الوصية لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت وبالتطوع الواجب من زكاة وكفارة ونحوهما
وكان الأولى في تعريف الهبة كما في الحاوي الصغير الهبة تمليك إلخ فإن الهبة هي المحدث عنها
فإن قيل يرد على حصر الهبة في التمليك ما لو أهدى إلى غني من لحم أضحية أو هدي أو عقيقة فإنه هبة ولا تمليك فيه وما لو وقف شيئا فإنه تمليك بلا عوض وليس بهبة
أجيب عن الأول بمنع أنه لا تمليك فيه بل فيه تمليك لكن يمنع من التصرف فيه بالبيع ونحوه كما يعلم من باب الأضحية وعن الثاني بأنه تمليك منفعة وإطلاقهم التمليك إنما يريدون به الأعيان
تنبيه قضية كلامه أن الهبة بثواب لا يطلق عليها اسم الهبة لوجود العوضية وبه صرح الزبيري
ثم قسم التمليك المذكور إلى الصدقة والهدية بقوله ( فإن ملك ) بلا عوض ( محتاجا ) شيئا ( لثواب الآخرة ) أي لأجلها ( فصدقة ) أي فلا بد من اجتماع الأمرين
والتحقيق كما قال السبكي أخذا من كلام المجموع وغيره أن الحاجة غير معتبرة قال السبكي فينبغي أن يقتصر على أحد الأمرين إما الحاجة أو قصد ثواب الآخرة فإن الصدقة على الغنى جائزة ويثاب عليها إذا قصد القربة فخرج بذلك ما لو ملك غنيا من غير قصد ثوب الآخرة
( فإن نقله ) بنفسه أو بغيره مع قصد الثواب ( إلى مكان الموهوب له إكراما له فهدية ) أيضا أو بدون قصد الثواب فهدية فقط ولهذا قال في المحرر وإن نقله بالواو وهي أولى فإن الفاء توهم لولا ما قدرته أن الهدية قسم من الصدقة وليس مرادا بل هي قسيمها
وإذا انضم إلى تمليك المحتاج بقصد ثواب الآخرة النقل إلى مكانه فتكون هدية وصدقة وقد تجتمع الأنواع الثلاثة فيما لو ملك محتاجا لثواب الآخرة بلا عوض ونقله إليه إكراما بإيجاب وقبول
قال السبكي والظاهر أن الإكرام ليس شرطا فالشرط هو النقل
قال الزركشي وقد يقال احترز به عن الرشوة ولا يقع اسم الهدية على العقار
فإن قيل قد صرحوا في باب النذر أن الشخص لو قال لله علي أن أهدي هذا البيت مثلا صح وباعه ونقل ثمنه
أجيب بأنهم توسعوا فيه بتخصيصه بالإهداء إلى فقراء الحرم وتعميمه في المنقول وغيره
وأما تعريفها بالمعنى الثاني وهو المراد عند الإطلاق فأركانها ثلاثة عاقد وصيغة وموهوب
وقد أخذ المصنف في بيان بعض ذلك فقال ( وشرط الهبة ) لتتحقق عاقدان كالبيع وهذا هو الركن الأول ولهما شروط فيشترط في الواهب الملك وإطلاق التصرف في ماله فلا تصح من ولي في مال محجورة ولا من مكاتب بغير إذن سيده
ويشترط في الموهوب له أن يكون فيه أهلية الملك لما يوهب له من تكليف وغيره وسيأتي أن غير المكلف يقبل له وليه فلا تصح لحمل ولا لبهيمة ولا لرقيق نفسه فإن أطلق الهبة له فهي لسيده
و ( إيجاب وقبول لفظا ) من الناطق مع التواصل المعتاد كالبيع وهذا هو الركن الثاني
ومن صريح الإيجاب وهبتك و منحتك و ملكتك بلا ثمن ومن صريح القبول قبلت و رضيت
ويستثنى من اعتبارهما مسائل منها الهبة الضمنية كأن يقول لغيره أعتق عبدك عني ففعل فيدخل في ملكه هبة ويعتق عليه ولا يحتاج للقبول
ومنها ما لو وهبت المرأة نوبتها من ضرتها لم يحتج لقبولها على الصحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في القسم والنشوز
ومنها ما يخلعه السلطان على الأمراء والقضاءة وغيرهم لا يشترط فيه القبول كما بحثه بعض المتأخرين لجريان العادة بذلك
ومنها ما لو اشترى حليا لولده الصغير وزينه به فإنه يكون تمليكا له بخلاف ما لو اشتراه لزوجته فإنه لا يصير ملكا لها كما قاله القفال والفرق بينهما أن له ولاية على الصغير بخلاف الزوجة كذا ذكره السبكي وتبعه ابن الملقن
ويرد هذا قول الشيخين وغيرهما فإن وهب للصغير ونحوه ولي غير الأب والجد قبل له الحاكم وإن كان أبا أو جدا تولى الطرفين فلا بد من الإيجاب والقبول
ومنها ما لو قال اشتري لي بدراهمك لحما فاشتراه وصححناه للسائل فإن الدراهم تكون هبة لا فرضا
ويقبل الهبة للصغير ونحوه ممن ليس أهلا للقبول الولي فإن لم يقبل انعزل الوصي ومثله القيم وأثما لتركهما الأحظ بخلاف الأب والجد لكمال شفقتهما
ويقبلها السفيه نفسه وكذا الرقيق لا سيده وإن وقعت له أما الأخرس فيكفيه الإشارة المفهمة
وفي الذخائر أن انعقاد الهبة بالكناية مع النية وبالاستيجاب على الخلاف في البيع أي فتصح
ومن
____________________

الصفحة 397