كتاب مغني المحتاج - الفكر (اسم الجزء: 2)

وأركان اللقيط الشرعي ثلاثة التقاط ولقيط وملتقط
وقد بدأ بالركن الأول فقال ( التقاط ) أي أخذ ( المنبوذ ) بالمعجمة ( فرض كفاية ) لقوله تعالى { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } إذ بإحيائها يسقط الحرج عن الناس فإحياؤهم بالنجاة من العذاب ولأنه آدمي محترم فوجب حفظه كالمضطر إلى طعام غيره بل أولى لأن البالغ العاقل ربما احتال لنفسه
وفارق اللقطة حيث لا يجب التقاطها بأن المغلب عليها الإكتساب والنفس تميل إليه فاستغنى بذلك عن الوجوب كالنكاح والوطء فيه
فلو لم يعلم بالمنبوذ إلا واحد لزمه أخذه فلو لم يلتقطه حتى علم به غيره فهل يجب عليهما كما لو علما معا أو على الأول فقط أبدى ابن الرفعة فيه احتمالين قال السبكي والذي يجب القطع به أنه يجب عليهما
( ويجب الإشهاد عليه ) أي التقاطه ( في الأصح ) وإن كان ظاهر العدالة خوفا من أن يسترقه
والثاني لا يجب اعتمادا على الأمانة كاللقطة
وأجاب الأول بأن الغرض منها المال والإشهاد في التصرف المالي مستحب ومن اللقيط حريته ونسبه فوجب الإشهاد كما في النكاح وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ولا تعريف في اللقيط ويجب الإشهاد أيضا على ما معه تبعا له ولئلا يتملكه
وقيد الماوردي وجوب الإشهاد عليه وعلى ما معه بالملتقط بنفسه
أما من سلمه الحاكم له فالإشهاد مستحب له فقط قال شيخنا وهو ظاهر
وأما الركن الثاني وهو اللقيط فهو صغير منبوذ في شارع أو مسجد أو نحو ذلك لا كافل له معلوم ولو مميزا لحاجته إلى التعهد
وإن أفهم التعبير بالمنبوذ اختصاصه بغير المميز فإن المنبوذ وهو الذي ينبذ دون التمييز ونبذه في الغالب إما لكونه من فاحشة خوفا من العار أو للعجز عن مؤنته فإن فقد النبذ رد إلى القاضي لقيامه مقام كافله فيسلمه إلى من يقوم به كما يقوم بحفظ مال الغائبين أو وجد له كافل ولو ملتقطا رد إليه
وخرج بالصبي البالغ لاستغنائه عن الحفظ
نعم المجنون كالصبي وإنما ذكروا الصبي لأنه الغالب قاله السبكي وغيره
ثم شرع في الركن الثالث وهو الملتقط فقال ( وإنما تثبت ولاية الإلتقاط ) أي حضانة اللقيط ( لمكلف حر ) ذكر أو أنثى ولكن الإناث أليق بها
غني أو فقير ( مسلم ) إن كان اللقيط محكوما بإسلامه ( عدل ) لأنها ولاية على الغير فاعتبر فيها الأوصاف المذكورة كولاية القضاء فإن كان محكوما بكفره بالدار فللكافر التقاطه لأنه من أهل الولاية عليه
تنبيه مقتضى كلامهم جواز التقاط اليهودي للنصراني وعكسه وهو كذلك كالإرث وإن قال ابن الرفعة لم أره منقولا
وقوله ( رشيد ) مستغنى عنه بعدل كما يستغنى عن مكلف بعدل ومراده العدالة الباطنة والظاهرة ليدخل المستور كما يؤخذ من قوله الآتي
ويقدم عدل على مستور ولا تفتقر ولاية الإلتقاط إلى إذن الحاكم لكن يستحب دفعه إليه
نعم لو وجده فأعطاه غيره لم يجز حتى يدفعه إلى الحاكم كما قاله الدارمي
ثم شرع في ذكر محترزات ما تقدم فذكر محترز حر في قوله ( ولو التقط ) رقيق ( عبد ) أو أمة مدبر أو معلق عتقه بصفة أو أم ولد أو مكاتب ( بغير إذن سيده انتزع ) اللقيط ( منه ) لأن الحضانة تبرع وليس هو من أهلها ( فإن علمه ) أي السيد ( فأقره عنده أي التقط بإذنه فالسيد ) هو ( الملتقط ) وهو نائبه في الأخذ والتربية إذ يده كيده ولا بد أن يكون أهلا للترك في يده
قال الماوردي وهذا قبل الرفع إلى الحاكم أما بعده فيدفعه إلى من يراه إذ لا حق للسيد فيه اه
وفي الحالة الثانية نظر إذ السيد هو الملتقط
ولو قال السيد للمكاتب التقط لي فالسيد هو الملتقط وهو المبعض إذا التقط في نوبته وجهان أصحهما عدم الصحة كما قاله الروياني لأن الحضانة ولاية ولا ولاية للمبعض بخلاف اللقطة فإن لم يكن بينه وبين السيد مهايأة أو التقط في نوبة السيد فالتقاطه كالقن كما صرح به الماوردي وذكر محترز مكلف عدل رشيد في قوله ( ولو التقط صبي ) أو مجنون ( أو فاسق أو محجور عليه ) بسفه ( أو كافر مسلما انتزع منه ) لعدم أهلية الصبي والمجنون وتهمة الفاسق
____________________

الصفحة 418