كتاب الشرح الكبير على متن المقنع (اسم الجزء: 2)

عليه، فلم يذكر في الآية والخبر إلا صنفاً واحداً (1) ، وأمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وقال لقبيصة " أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " ولو وجب صرفها إلى جميع الاصناف
لم يجز صرفها إلى واحد، ولأنه لا يجب صرفها إلى جميع الأصناف اذا فرقها الساعي فكذلك المالك ولأنه لا يجب عليهم تعميم أهل كل صنف بها فجاز الإقتصار على واحد كما لو وصى لجماعة لا يمكن حصرهم ويخرج على هذين المعنيين الخمس فإنه يجب على الإمام تفريقه على جميع مستحقيه بخلاف الزكاة، وهذا الذي اخترناه هو اللائق بحكمة الشرع وحسنه، إذ غير جائز أن يكلف الله سبحانه وتعالى من وجبت عليه شاة أو صاع من البر او نصف مثقال دفعه إلى ثمانية عشر نفساً، أو أحد وعشرين نفساً، أو اربعه وعشرين من ثمانية أصناف لكل ثلاثة منهم ثمنها، الغالب تعذر وجودهم في الاقليم العظيم، فكيف يكلف الله تعالى كل من وجبت عليه زكاة جمعهم وإعطاؤهم وهو سبحانه القائل (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وأظن من قال بوجوب دفعها على هذا الوجه إنما يقوله بلسانه ولا يفعله، ولا يقدر على فعله، وما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا في صدقة من الصدقات، ولا أحد من خلفائه، ولا من صحابته ولا غيرهم، ولو كان هذا هو الواجب في الشريعة المطهرة لما اغفلوه ولو فعلوه مع مشقته لنقل ولما أهمل، إذ لا يجوز على أهل التواتر اهمال نقل ما تدعو الحاجة إلى نقله لاسيما من كثرة من تجب عليهم الزكاة ووجود ذلك في كل زمان في كل عصر وبلد، وهذا أمر ظاهر إن شاء الله تعالى، والآية انما سيقت لبيان من يجوز الصرف اليه لا لايجاب الصرف إلى الجميع بدليل أنه لا يجب تعميم كل صنف بها، فأما العامل فإنه يجوز أن يكون واحداً لأنه إنما يأخذ أجر عمله فلم تجز الزيادة عليه مع الغناء عنه، ولأن الرجل اذا تولى اخراجها بنفسه سقط سهم العامل لعدم الحاجة إليه، فاذا جاز تركهم بالكلية جاز الاقتصار على بعضهم بطريق الأولى (فصل) وقد ذكرنا أنه يستحب تفريقها على من أمكن من الاصناف وتعميمهم بها، فإن كان المتولي لتفريقها الساعي استحب احصاء أهل السهمان من عمله حتى يكون فراغه من قبض الصدقات بعد تناهي أسمائهم وانسابهم وحاجاتهم وقدر كفاياتهم ليكون تفريقه عقيب جمع الصدقة، ويبدأ باعطاء العامل لانه يأخذ على وجه المعاوضة فكان استحقاقه أولى، ولذلك اذا عجزت الصدقة عن أجره تمم من بيت المال ولأن ما يأخذه أجر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " ثم الأهم فالأهم، وأهمهم أشدهم حاجة، ويعطى كل صنف قدر كفايته على ما ذكرنا، فان فضلت
عن كفايتهم نقل الفاضل إلى أقرب البلاد اليه وإن نقصت أعطى كل إنسان منهم ما يرى * (مسألة) * (ويستحب صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم وتفريقها فيهم على قدر حاجتهم
__________
" 1 " لم يقل أحد من المسلمين بجواز دفع جميع الزكاة إلى الفقراء وحدهم مع وجود غيرهم من الاصناف معهم، ولا يتفق مع أصول أحد من أئمة الفقه ان يكون حديث معاذ ناسخا لآية (انما الصدقات) الخ وكذا ما بعده من الاحاديث التى يجب حملها على أحوال أو وقائع لا تنافى الآية.
ولم يقل عكرمة والشافعي ولا أحمد في الرواية الأخرى عنه أنه يجب على من عليه صاع من زكاة الفطر ان يتكلف البحث في البلد أو القطر 24 حاصلة من ضرب 3 في 8 فيدفعه إليهم كما ذكره الشارح بعبارة كالتهكم أو التجهيل، وانما يقولون بوجوب ما اعتمد هو انه مستحب عند امكانه

الصفحة 708