كتاب الشرح الكبير على متن المقنع (اسم الجزء: 2)

* (مسألة) * (وإن دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم لم يجزه إلا الغني اذا ظنه فقيراً في إحدى الروايتين)
اذا دفع الزكاة إلى من لا يستحقها جاهلا بحاله كالعبد والكافر والهاشمي وقرابة المعطي ممن لا يجوز دفعها اليه لم يجزئه رواية واحدة لأنه ليس بمستحق ولا يخفى حاله غالباً فلم يجزئه الدفع اليه كديون الآدميين.
فأما إن أعطى من يظنه فقيراً فبان غنياً ففيه روايتان: إحداهما يجزئه اختارها أبو بكر وهو قول الحسن وأبي عبيد وأبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجلين الجلدين وقال " إن شئتما أعطيتكما منها ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " وقال للرجل الذي سأله من الصدقة " إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك " ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم.
وروى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، فأتي فقيل له: اما صدقتك فقد تقبلت لعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله " رواه النسائي.
والرواية الثانية لا يجزيه لانه دفع الواجب إلى غير مستحقه فلم يخرج من عهدته كما لو دفعها إلى كافر أو ذي قرابة وكديون الآدميين.
وهذا قول الثوري وأبي يوسف وابن المنذر، وللشافعي قولان كالروايتين والأول أولى إن شاء الله تعالى لأن الفقر والغنى يعسر الاطلاع عليه والمعرفة بحقيقته قال الله تعالى: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم) فاكتفى بظهور الفقر ودعواه بخلاف غيره والله أعلم.
(فصل) وصدقة التطوع مستحبة في جميع الأوقات لقول الله تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) وأمر بالصدقة في آيات كثيرة وحث عليها ورغب فيها، وروى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا طيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل " متفق عليه.
وصدقة السر أفضل من العلانية لقول الله تعالى (إن تبدو الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) وروى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " ذكر منهم رجلاً " تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " متفق عليه.
وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " صدقة السر تطفئ غضب الرب " رواه الترمذي * (مسألة) * (وأفضل ما تكون في شهر رمضان وأوقات الحاجات)
لقول الله تعالى (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) ولأن الحسنات تضاعف في شهر رمضان وفيها

الصفحة 715