كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة (اسم الجزء: 2)

صنفوا سيرته وفتوحه وَلم يتَعَرَّض أحد من أهل ذَلِك الْعَصْر لذكر هَذَا الْهِنْدِيّ، ثمَّ اتسعت الْفتُوح والهند، وَلم يسمع لَهُ ذكر فِي الرَّابِعَة وَلَا فِيمَا بعْدهَا بل تطاولت الْأَعْمَار وكرور اللَّيْل وَالنَّهَار إِلَى عَام سِتّمائَة وَلَا تنطق بِذكرِهِ رِسَالَة وَلَا عرج على أَحْوَاله تَارِيخ وَلَا نقل وجوده جوال وَلَا رحال وَلَا تَاجر سفار، فَمثل هَذَا لَا يَكْفِي فِي قبُول دَعْوَاهُ خبر وَاحِد، إِذْ لَو كَانَ لتسامع بِشَأْنِهِ كل تَاجر، وَلَو كَانَ الَّذِي زعم أَنه رَآهُ لم ينْقل عَنهُ شَيْئا من هَذِه الْأَحَادِيث لَكَانَ الْأَمر أخف ولعمري مَا يصدق بِصُحْبَة رتن إِلَّا من يُؤمن برجعة عَليّ، أَو بِوُجُود مُحَمَّد بن الْحسن فِي السرداب، وَهَؤُلَاء لَا يُؤثر فيهم علاج وَقد اتّفق أهل الحَدِيث على أَن آخر من رأى النَّبِي موتا أَبُو الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة (وَثَبت) فِي الصَّحِيح أَن النَّبِي قَالَ قبل مَوته بِشَهْر: أَرَأَيْتكُم ليلتكم هَذِه فَإِن على رَأس مائَة سنة مِنْهَا لَا يبْقى على وَجه الأَرْض مِمَّن هُوَ الْيَوْم عَلَيْهَا أحد فَانْقَطع الْمقَال وماذا بعد الْحق إِلَّا الضلال (قَالَ) فِي اللِّسَان: انْتهى مَا أردْت ذكره من جُزْء كسر وثن رتن (قَالَ) وَقَدْ وَجَدْتُ قصَّته فِي تذكرة الصّلاح الصَّفَدِي نَقْلا مِنْ تَذْكَرَةِ عَلاءِ الدِّينِ الْوَدَاعِيِّ، قَالَ الْوَدَاعِيُّ: ثَنَا جَلالُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْكَاتِبُ بِدِمَشْقَ أَنْبَأَنَا نُورُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ قَدِمَ علينا سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة أَنْبَأَنَا جَدِّي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنْتُ فِي زَمَنِ الصِّبَا سَافَرْتُ مَعَ أَبِي وَعَمِّي وَأَنَا ابْنُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى الْهِنْدِ فِي تِجَارَةٍ فَوَصَلْنَا إِلَى ضَيْعَةٍ مِنْ أَوَائِلِ الْهِنْدِ فَعَرَجَ الْقَفَلُ نَحْوَهَا فَنَزَلُوا فَضَجَّ أَهْلُ الْقَافِلَةِ فَسَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: هَذِهِ ضَيْعَةُ الْمُعَمَّرِ الشَّيْخِ رَتَنٍ فَرَأَيْنَا بِفِنَاءِ الْقَرْيَةِ شَجَرَةً عَظِيمَةً وَتَحْتَ ظِلِّهَا جَمْعٌ عَظِيمٌ فَتَبَادَرَ أَهْلُ الْقَافِلَةِ نَحْوَ الشَّجَرَةِ نَتَلَقَّى مَنْ تَحْتَهَا فَرَأَيْنَا زِنْبِيلا كَبِيرًا مُعَلَّقًا فِي غُصْنٍ مِنَ الشَّجَرَةِ فَسَأَلْنَاهُمْ عَنْهَا، فَقَالُوا فِي هَذَا الزنبيل شيخ رتن الَّذِي رأى النَّبِي وَدَعَا لَهُ بِطُولِ الْعُمْرِ سِتَّ مَرَّاتٍ فَسَأَلْنَاهُمْ أَنْ يُنْزِلُوهُ لِنَسْمَعَ مِنْهُ فَتَقَدَّمَ شَيْخٌ مِنْهُمْ إِلَى الزِّنْبِيلِ فَأَنْزَلَهُ مِنْ بَكْرَةٍ فَرَأَيْنَا الشَّيْخَ فِي وَسَطِ الْقُطْنِ، فَإِذَا هُوَ كَالْفَرْخِ فَحَسَرَ عَنْ وَجْهِهِ وَوَضَعَ فَمَهُ عَلَى أُذُنِهِ فَقَالَ: يَا جَدَّاهُ هَؤُلاءِ قَوْمٌ قَدْ قَدِمُوا فِيهِمْ شُرَفَاءُ مِنْ أَوْلادِ النَّبِي وَقَدْ سَأَلُوا أَنْ تُحَدِّثَهُمْ فَتَنَفَّسَ الشَّيْخُ وَتَكَلَّمَ بِصَوْتٍ كَصَوْتِ النَّحْلِ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَقَالَ سَافَرْتُ مَعَ أَبِي وَأَنَا شَابٌّ فِي تِجَارَةٍ إِلَى الْحِجَازِ فَلَمَّا بَلَغْنَا بَعْضَ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ وَكَانَ الْمَطَرُ قَدْ مَلأَ الأَوْدِيَةَ فَرَأَيْتُ غُلامًا أَسْمَرَ اللَّوْنِ مَلِيحَ الْكَوْنِ حَسَنَ الشَّمَائِلِ وَهُوَ يَرْعَى إِبِلا فِي تِلْكَ الأَوْدِيَةِ، وَقد حَال

الصفحة 40